عمر أنهون
TT

عالم من الدبلوماسية والتحركات لمواجهة التحديات

انعقدت اجتماعات قمة دولية مهمة متتالية في آسيا (قمة بريكس)، وفي أوروبا (مجلس الاتحاد الأوروبي وقمة مجموعة الدول الصناعية السبع). ومن المقرر أن تبدأ آخر اجتماعات هذه السلسلة، قمة «ناتو» 2022، اليوم.
تأتي كل هذه الاجتماعات في خضم ما يشير إليه الجميع تقريباً باعتباره إعادة تشكيل نظام عالمي جديد على خلفية الاجتياح الروسي والحرب التي أعقبت ذلك في أوكرانيا.
روسيا وأوكرانيا (وأنصارها) منهمكون في حرب استنزاف، استخدم الجانبان فيها كل الوسائل الممكنة سلاحاً، بما في ذلك الطاقة والسياحة والغذاء والتجارة. وتخلق الحرب الجارية مشاكل جديدة وأزمة إضافية تزداد سوءاً على المستوى العالمي كل يوم تقريباً.
يهدف أنصار أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة إلى تقليل الإيرادات (من الغاز والنفط ومصادر أخرى) للدولة الروسية إلى أقصى حد ممكن، والضغط على ما يسمى «حكم القلة» من أجل ممارسة الضغط على بوتين وإيقاظ السكان الروس بشأن الضرر الذي تسببت فيه سياسات رئيسهم حتى لبلاده روسيا.
لقد تأثرت روسيا سلباً بالعقوبات، لكنها لا تتراجع لأن لديها الوسائل والإرادة السياسية للرد.
عندما أوقفت ليتوانيا مؤخراً نقل المواد الخاضعة للعقوبات بالسكك الحديدية إلى كالينينغراد (جيب روسي يبلغ عدد سكانه 480.000 نسمة يقع بين بولندا وليتوانيا، موطن أسطول البلطيق)، هددت روسيا باتخاذ تدابير مناسبة غير محددة في الوقت الذي تختاره. أياً كان معنى ذلك، فإن ليتوانيا، على عكس أوكرانيا أو جورجيا أو مولدوفا، هي عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وتغطيها المادة الخامسة.
في 22 يونيو (حزيران)، قلصت روسيا تدفق الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» بواقع 40 في المائة من طاقته. تشارك الدول الأوروبية بنشاط في البحث عن مصادر بديلة لملء مستودعاتها ولضمان شتاء بلا نقص في الغاز. وقد جرى إبرام بعض الصفقات مثل تلك التي جرت بين ألمانيا وقطر، وبين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر. لكن الوقت مطلوب للشعور بالأمان.
يعد الأمن الغذائي العالمي، خصوصاً في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط مصدر قلق خطيراً. ويعد نقص الغذاء وارتفاع الأسعار والاضطرابات الاجتماعية بمثابة كابوس للبلدان التي تعاني من نقاط ضعف معينة ولديها حدود لقدرتها على الحفاظ على الإعانات الحكومية. والجهود المبذولة لنقل الحبوب بلا عوائق من أوكرانيا وعبر البحر الأسود لم تسفر عن نتائج حتى الآن.
وعلى الرغم من كل الانتكاسات والتأخيرات والخسائر، فإن روسيا تحرز تقدماً على الأرض، إذ تقع «دونباس» بالكامل تقريباً تحت السيطرة الروسية.
كما أن روسيا أصبحت أكثر تهوراً بممارستها مزيداً من الأعمال التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. ففي اليومين الماضيين، قصفت روسيا أهدافاً مدنية في مدن أوكرانية مختلفة، ومبنى سكنياً ومركزاً للتسوق، وقتلت مدنيين. لكن في عالم عادل، يجب ألا تمر جرائم الحرب هذه دون مساءلة.
وعلى الرغم من أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا قد جلب إحساساً بالوحدة في «ناتو» والاتحاد الأوروبي وقدراً أفضل من التواصل في العلاقات عبر الأطلسي، لا تزال هناك تحديات خطيرة. وكلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، زادت الاحتكاكات داخل المعسكر الغربي. ففي الآونة الأخيرة، استقال وزير خارجية إيطاليا بسبب خلاف حول توفير الأسلحة لأوكرانيا. وهناك أيضاً قلق من أن الولايات المتحدة قد تسير مرة أخرى في أحد منعطفاتها الحادة، كما الحال في سوريا ولاحقاً في أفغانستان.
وتراهن روسيا على مثل هذه التطورات التي قد تؤدي أيضاً إلى انهيار الحكومات وإلى أزمة سياسية في الغرب.
الصين من جانبها أكثر حزماً في عهد الرئيس شي جينبينغ، لكن أدواتها القتالية مختلفة عن روسيا، إذ تفضل الصين استخدام قوتها الناعمة وقدراتها الاقتصادية التي لا تنفد تقريباً. أيضاً أكثر ما يبرز الجيش في الصين هو تايوان، وفي هذه الحالة يظهر التنين الصيني وجهه.
علاوة على ما سبق، عقدت مجموعة «بريكس» (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا) قمتها قبل أسبوع. وخلال هذه القمة، أظهر الرئيسان شي وبوتين تحدياً للولايات المتحدة وحلفائها. كما وجدت روسيا شركاء تجاريين جدداً في الصين والهند يشترون كميات ضخمة من النفط الروسي بأسعار تنافسية للغاية. وتظهر الأرقام الرسمية أنه مقارنة بالعام الماضي، تشتري الصين نحو 55 في المائة نفطاً إضافياً من روسيا.
من ناحيتها، ابتكرت مجموعة الدول السبع «الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية ومبادرة التنمية»، حيث تهدف إلى تقديم 600 مليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لمشاريع البنية التحتية في مختلف البلدان. وهذه المبادرة هي إجراء مضاد لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي تم إطلاقها في عام 2013.
وفي الوثائق التي سيجري تبنيها من قبل قادة «ناتو» في القمة، على الأرجح، سيشار إلى الصين مرة أخرى على أنها تحدٍ وفي الوقت نفسه، فرصة. موقف حازم ولكن في الوقت نفسه لا يخلو من ود وتحية.
في اجتماع المجلس، منح الاتحاد الأوروبي وضع المرشح لأوكرانيا ومولدوفا. لكن قضايا العضوية في الاتحاد الأوروبي معقدة وغريبة. فأي شخص يعتقد أنه بمجرد الموافقة على حالة المرشح تصبح عضويته وشيكة هو مخطئ.
كما صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح في مايو (أيار) بمناسبة يوم أوروبا، بأنه حتى لو تم منح وضع المرشح (لأوكرانيا وغيرها)، فإن العملية ستستغرق عدة سنوات وربما عقوداً.
جرى الاحتفاظ بتركيا في غرفة الانتظار منذ عام 2005، كما أن دول غرب البلقان الست (ألبانيا ومقدونيا الشمالية وصربيا والجبل الأسود وصربيا وكوسوفو) هي أيضاً في مراحل مختلفة من الانتظار.
عرقلت بلغاريا، وهي عضو في «ناتو»، مفاوضات انضمام مقدونيا الشمالية (عضو آخر في ناتو)، مطالبة مقدونيا الشمالية بالاعتراف بأن بعض السمات الوطنية للبلاد، بما في ذلك اللغة واسم الأمة، لن تكون إلا بلغارية. ويجب على مقدونيا أن تقنع بلغاريا ببدء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. (بعد يوم من اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي، صوّت البرلمان البلغاري لصالح اقتراح قد يؤدي إلى رفع حق النقض).
في «ناتو»، اشترطت تركيا قبولها لعضوية السويد وفنلندا بالتشدد في مكافحة الإرهاب. ومن المرجح أن يظهر طريق للمضي قدماً يمهد للعضوية. من ناحية أخرى، لا ينبغي لأحد أن يتجاهل حقيقة أن الانضمام إلى عضوية «ناتو» هو عملية، وأن المرحلة الأخيرة من هذه العملية هي التصديق على بروتوكولات الانضمام من قبل جميع الدول الأعضاء الثلاثين.
ختاماً، النزاعات والتحديات مكلفة ومدمرة، لكنها تجلب أيضاً فرصاً وصداقات وتحالفات وشراكات تجارية جديدة. ومع ذلك، (نأمل وبشكل مثالي) ومن دون إهمال للمبادئ، في أن تكون للسياسة الدولية والدبلوماسية علاقة وثيقة بالظروف المتغيرة والقدرة على التكيف... وسنرى ما إذا كانت كل هذه اللقاءات المهمة المتتالية ستؤدي إلى تطورات في هذا الاتجاه، أم لا.