عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

لماذا لا نقرأ الأخبار؟!

هل تقرأ الأخبار؟ هل يصيبك بعضها بالعصبية أو الاكتئاب؟ هل تريد أن تقرأ المزيد من الأخبار الإيجابية وسط الكم الهائل من أخبار الحروب والأزمات؟
من أخبار الحروب، إلى أخبار الأزمات الاقتصادية والمعيشية، مروراً بجائحة «كورونا» التي ما تزال أخبارها تطل من هنا وهناك وإن انحسرت عما كانت عليه، أصبحت الأخبار كثيراً ما تصيبنا بالتوتر والإحباط. وفي عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح هناك تدفق هائل للأخبار، التي نجد أنفسنا نتابعها حتى وإن كنا خارج المنازل والمكاتب، أو في الأسواق، ما دامت الهواتف الذكية في جيوبنا وأيدينا.
تقرير صدر أمس عن «معهد رويترز» وجد أن أعداداً متزايدة من الناس (أربعة من كل عشرة أشخاص) صاروا يتجنبون الأخبار أحياناً لأنها تؤثر سلباً على مزاجهم. وتتفاوت النسب بين الدول وعبر الفئات العمرية، لكن الاهتمام بالأخبار بشكل عام انخفض في العديد من البلدان، وفقاً للتقرير الذي تكمن أهميته في أنه يستند إلى بيانات من ست قارات و46 سوقاً.
هناك عدة عوامل تلعب دوراً في إحجام بعض الناس عن متابعة الأخبار، أو لجوئهم إلى المتابعة بشكل انتقائي، فهناك أولاً الفئة التي تجد أن الأخبار لديها تأثير سلبي على مزاجهم وتصيبهم بالاكتئاب. والجانب النفسي يساعد بالتأكيد على فهم هذه الظاهرة لأن الإنسان غريزياً يميل لحماية نفسه من الأخبار السيئة عموماً.
وقد وجد تقرير «معهد رويترز» أن هناك زيادة في نسبة الأشخاص الذين يتجنبون الأخبار، في كثير من الأحيان أو في بعض الأحيان، إذ تضاعف التجنب الانتقائي مثلاً في البرازيل (54 في المائة) وبريطانيا (46 في المائة) على مدى السنوات الخمس الماضية، وتأتي في القائمة بعد ذلك دول مثل الولايات المتحدة وآيرلندا وأستراليا وفرنسا. بشكل عام زادت هذه الفئة في مختلف الدول وبنسب مختلفة بالطبع.
ثانياً، بعض الناس يشكون من التكرار المرهق في الأخبار مما يصيبهم بالملل. فظاهرة «الإرهاق من الأخبار» معروفة لا سيما في حالات الأحداث التي تستمر فترة طويلة، مثل الحروب، وتصبح أخبارها مكررة فينصرف كثير من الناس عن متابعتها، أو يتابعونها بشكل انتقائي ومتقطع.
ثالثاً، هناك مشكلة تراجع الثقة بالأخبار بسبب تعدد المنافذ وتضارب الروايات والأخبار المضللة المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت ظاهرة تؤرق الكثيرين.
وقد أورد تقرير «معهد رويترز» أنه رصد هذه السنة تراجع مستويات الثقة في 21 من 46 من الأسواق أو الدول التي شملتها الدراسة. ففي الولايات المتحدة كانت نسبة التراجع 26 في المائة بزيادة ثلاث نقاط مئوية عن العام الماضي، وسجل التراجع بنسب مختلفة من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وفيما يتعلق بمشكلة الأخبار المضللة قال التقرير: «في استطلاع هذا العام، وجدنا رابطاً بين المخاوف من المعلومات المضللة عبر الإنترنت والاستخدام الواسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي. عبر الأسواق، قال أكثر من النصف بقليل (54 في المائة) إنهم قلقون بشأن تحديد الفرق بين ما هو حقيقي وما هو مزيف على الإنترنت عندما يتعلق الأمر بالأخبار. لكن الأشخاص الذين يقولون إنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي كمصدر للأخبار كانوا الأكثر قلقاً (61 في المائة) من الأشخاص الذين لا يستخدمونها إطلاقاً (48 في المائة)».
رابعاً، الوقت الذي أصبح مضغوطاً جداً أمام متطلبات الحياة وكثرة منافذ الأخبار ووسائل التواصل، ما يحد من قدرة الناس على متابعة الأخبار التي صارت متاحة وتنافس على الوقت على مدى 24 ساعة.
خامساً، صعوبة الأخبار مثل أخبار العملات الرقمية وسوق المال وتفاصيل قضايا الاحتباس وخلفيات بعض الأزمات، التي يواجه بعض الناس تحدياً في استيعاب تفاصيلها فيحجمون عنها. لذلك بدأت بعض وسائل الإعلام تلجأ إلى الرسوم التوضيحية والأسئلة والأجوبة لشرح وتفصيل بعض الأخبار لجعلها أكثر سهولة لدى المتلقين.
تقرير «معهد رويترز» أشار إلى عوامل أخرى مثل الناس الذين يتجنبون أخباراً معينة بشكل انتقائي لأنهم يرون أنها تدخلهم في مجادلات ونقاشات لا يريدونها، أو أولئك الذين يقولون إن الأخبار المحبطة تشعرهم بالعجز عن التأثير والتغيير في الأمور، أو أنهم يجدون الأخبار بعيدة عن مجال اهتماماتهم وهمومهم.
سلبية الأخبار ليست مسؤولة عنها وسائل الإعلام لأنها لا تصنع الأخبار بل تنقلها، ولهذا قد نجد لها عذراً، لكنها في المقابل تستطيع التأثير في الأجندة الإخبارية واختيار مزيد من الأخبار الإيجابية كي تخلق نوعاً من التوازن، وهو أمر مهم في تقديري في زمن تتزايد فيه الضغوط والأخبار الكئيبة. وربما كان ملحوظاً أن بعض المؤسسات الإخبارية، المكتوبة أو المرئية أو المسموعة، بدأت تلجأ إلى زيادة جرعة تغطيتها لموضوعات تمنح الناس شعوراً بالأمل، وأخرى تلامس اهتمامات الناس من قضايا البيئة والمناخ، إلى تطورات العلوم والتكنولوجيا.
تبقى متابعة الأخبار وظيفة أساسية لوسائل الإعلام، وهو ما يبحث عنه غالبية متابعيها، لا سيما في أوقات الأزمات. وفي هذا الصدد سجل تقرير «معهد رويترز» أن تعاقب الأزمات مثل جائحة «كورونا» واجتياح أوكرانيا والأزمات المختلفة، يوضح أهمية الإعلام المهني، وهو دور يزداد أهمية في وقت تتصاعد فيه مشكلة الأخبار المضللة التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وعبر منصات أخرى في الفضاء الإنترنتي.
التحدي الذي يواجه المؤسسات الإعلامية هو إيجاد الصيغة التي تحقق التوازن الذي يحافظ على متابعي الأخبار من دون أن تؤدي إلى نفور بعضهم بسبب الإحباط، أو إلى فقدان شريحة الشباب الذين لديهم اهتمامات مختلفة ومتنوعة، ويتابعون الأخبار عبر منصات متنوعة، وبأدوات مختلفة. ففي كثير من الأحيان فإن الأخبار الأكثر أهمية مثل الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية والكوارث الطبيعية أو المناخية، هي ذاتها التي تجعل بعض الناس يحجمون عن المتابعة أو يشكون من إرهاق الأخبار وإحباطها.
وسائل الإعلام واجهت الكثير من التحديات في أزمنة مختلفة، وتغلبها عليها كان دائماً يكمن في مدى قدرتها على التأقلم مع الظروف المتغيرة وابتكار الحلول.