د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

‏على خُطى «المرأة الحديدية»

كانت قد نجت بأعجوبة من محاولة اغتيالها فجراً بقنبلة موقوتة، زرعها أحد أفراد الجيش الجمهوري الآيرلندي تحت حوض الاستحمام في غرفة بفندق غراند هوتل في مدينة برايتون، حيث كانت تقيم لحضور مؤتمر حزبها في عام 1984. القنبلة التي انفجرت أودت بحياة خمسة أفراد وجرحت العشرات، لكنها لم تصل إلى غرفة جلوسها، حيث كانت تعد خطابها فجراً. وتمكنت «المرأة الحديدية» أول رئيسة وزراء بريطانية، من الخروج من ركام الانفجار، ثم قالت للصحافيين إن المؤتمر سيستمر، وإن الضيوف سيرتدون ملابس جديدة عوضاً عما أتلفه الانفجار، وذلك من متاجر «مارك آند سبنسر» التي ستفتح أبوابها في تمام الثامنة صباحاً.
الحادثة لقطة واحدة فقط لما يكنه كثير من الناس من كره للمحامية المفوهة التي جاءت إلى السلطة عام 1979، وفازت بثلاث دورات، وقررت حمل راية لواء التغيير بانتشال بلادها من تدهورها الاقتصادي. إذ كانت بريطانيا تتأرجح بين الاشتراكية والليبرالية الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية. فقررت المرأة الحديدية مواجهة الشعب بكل صراحة، بنهج إصلاحي كبير، فطرحت خصخصة شركات حكومية لأول مرة مثل شركات النفط والغاز والكهرباء والماء والخطوط الجوية البريطانية وغيرها، فانتشرت الدعايات التلفزيونية الشهيرة (موجودة في يوتيوب) عن إمكانية امتلاك المواطن لشركة نفط أرباحها مضمونة، وهو نفس شعور المحظوظ الذي امتلك سهماً في «أرامكو»؛ أكبر شركة في العالم. وفتحت ثاتشر أسواق الأسهم للمستثمر الأجنبي فانهالت الاستثمارات العالمية على بريطانيا. وتصدت خريجة جامعة أكسفورد لعمال مناجم الفحم وغيرها وأغلقتها، واضطرت إلى استخدام القوات الخاصة في تفريق اعتصاماتهم التي امتدت لنحو عام، في أشهر مواجهة من نوعها في بلد الحريات. وانتزعت جزر الفوكلاند من الأرجنتين بحرب عسكرية.
‏وجدت ثاتشر نفسها أمام مفترق طرق: إما أن تترك البلاد تسير نحو المجهول، أو أن تقدم إصلاحات راديكالية غير مسبوقة تنتشل البلاد من دوامة التخبط الاقتصادي. وهذا ما يواجهه كل من يحاول التغيير. فالناس بطبعها لا تحب من يغير ولا التغيير نفسه خوفاً من المجهول أو خشية من خسارة امتيازات شخصية وغيرها. غير أن التغيير سنة الحياة وهو الأمر الوحيد الثابت في حياتنا المتغيرة. والتغيير المدروس يقيناً ما هو أسوأ. فالوقت وحده لا يحل مشكلات مستعصية. والبلدان والإدارات التي أقدمت على التغييرات الاستباقية نجت على الأقل من السير في مؤخرة ركب التقدم. وذلك على خُطى المرأة الحديدة.
التغيير يصنعه القادة الأفذاذ، أما من يخشى ردود الأفعال فسيصعب عليه أن يسطر اسمه بأحرف من نور. والقائد الحقيقي ليس فقط من يحتفي به قومه، بل من تثمن جهوده الأجيال المقبلة.