جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

شمال آيرلندا في عنق زجاجة

مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية البريطانية يوم 5 مايو (أيار) يتزايد القلق في دوائر حزب المحافظين الحاكم، والترقّب في دوائر الأحزاب المعارضة. مبعث القلق في حزب المحافظين الخوف من ردّ فعل الناخبين تجاه فضيحة بارتي غيت، بما تمثله من خرق فاضح للقانون على أعلى مستوى، وما ترتب عليها من تداعيات، نالت من شعبية رئيس الحكومة بوريس جونسون، ومن سمعة حزب يفتخر بكونه تاريخياً حزب القانون والنظام. وعلى العكس منهم، تترقّب أحزاب المعارضة استجابة من الناخبين بالتعبير على عدم رضاهم، بمعاقبة المحافظين، عبر صناديق الاقتراع.
ما يميز الانتخابات المحلية أنها تعمل، في العادة، كمؤشر على توجهات الناخبين في الانتخابات النيابية على المستوى القومي هذا من جهة. ومن جهة أخرى، على عكس الانتخابات النيابية، يكون التركيز فيها على مزيج من أجندة محلية وقومية. الأجندة المحلية، عادة، تختلف من مجلس بلدي إلى آخر، وما يراه الناخبون في كل منطقة جديراً بالأولوية لديهم، ويستحق أصواتهم، مثل أزمات الازدحام المروري، وارتفاع ضريبة الرأس، ومشاكل تجميع القمامة… الخ. وهي، الانتخابات المحلية، تعتبر، بشكل ما، أقرب ما تكون إلى استفتاء على شعبية رئيس الحكومة والحزب الحاكم.
استحواذ قضية بارتي غيت على المساحات في وسائل الإعلام باختلافها، وتسليط الأضواء بكثير من الإثارة الإعلامية، فيما يتعلق بخسارة محتملة لحزب المحافظين لعدد من المقاعد، أو لمجالس بلدية تدين تاريخياً بولائها للحزب، وخاصةً في مدينة لندن، قلّص إلى حد كبير من الاهتمام بما سيحدث في إقليم آيرلندا الشمالية، خلال هذه الانتخابات، وتداعياتها السياسية على الإقليم وعلى الحكومة البريطانية خصوصاً، من ناحيتين: الأولى تتعلق بالوضع الطائفي والأمني في الإقليم. والثانية ذات صلة بالاتحاد الأوروبي.
الحكم الذاتي في الإقليم المؤسّس على تقاسم السلطة بين الطائفتين البروتستانتية والكاثوليكية وفق اتفاق السلام الموقّع عام 1998 متوقف منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، لدى استقالة الوزير الأول بول غيفان من منصبه احتجاجاً على عدم إلغاء بريطانيا الاتفاق الموقّع بينها وبين الاتحاد الأوروبي، حول وضعية الإقليم المميّزة عن باقي المناطق البريطانية في اتفاق «بريكست». الاستقالة يقول المراقبون جاءت لخدمة أغراض انتخابية، نظراً لتدنّي شعبية الحزب الاتحادي الديمقراطي (DUP) بين أنصاره من الطائفة البروتستانتية.
في يوم 5 مايو سوف تتنافس مختلف الأحزاب في الإقليم على كل المقاعد التسعين في البرلمان المحلي. استبيانات الرأي العام في الإقليم باعثة على القلق، كونها تشير إلى تقدّم حزب «شين فين» ممثل الكاثوليك بنسبة 27 في المائة، على الحزب الاتحادي الديمقراطي بنسبة 19 في المائة. فوز حزب «شين فين» يعني إقصاء الاتحاديين، لأول مرّة منذ 24 عاماً، من رئاسة الحكومة المحلية. اتفاق السلام الموقّع عام 1998 ينص على تولي الحزب الذي يأتي في الصدارة انتخابياً على منصب الوزير الأول، والحزب الذي يأتي في المرتبة الثانية يتولى منصب النائب. الاتفاق، أيضاً، يؤكد تساوي الرئيس والنائب في كل السلطات والصلاحيات. وما تدركه الحكومة البريطانية جيداً هو أن الاتحاديين على اختلافهم لن يقبلوا بتولّي «شين فين» أعلى منصب في الإقليم. وفي ذات الوقت، لن يجرؤ أي زعيم اتحادي على قبول منصب النائب. الأمر الذي يعني فعلياً أن الوضع السياسي في الإقليم قد يزداد سوءاً بفعل الانتخابات، وربما يفضي إلى توتر أمني يعود به إلى وضعية ما قبل توقيع اتفاق السلام عام 1998. رفض الاتحاديين سوف يؤدي بالوضع السياسي في الإقليم إلى الوقوف أمام جدار مسدود، مما يستدعي العودة إلى الحكم المباشر من لندن، ونهاية الحكم الذاتي. التقارير الإعلامية، مؤخراً، تتحدث عن مشاورات بين حكومتي لندن ودبلن حول إيجاد صيغة مقبولة للخروج من الأزمة المحتملة، عبر اختيار حزب اتحادي آخر، لتولّي منصب الوزير الأول، أو إحداث تغيير يشمل منصبي الوزير الأول ونائبه، واستحداث رئاسة ثنائية، من الحزبين الكاثوليكي والبروتستانتي.
وتتحدث الأخبار عن مشروع قانون يعدّه رئيس الحكومة البريطانية جونسون لإرضاء أنصار بريكست، يسمح لوزراء حكومته بتغليب المصلحة البريطانية، وتجاهل بنود الاتفاق الموقّع مع بروكسل أحادياً، لدى بروز عقبة تتعلق بالتعامل التجاري لبضائع وسلع مصنّعة في بريطانيا في طريقها إلى شمال آيرلندا. لكن مشروع القانون يواجه عقبتين. أولاهما في وزارة الخزانة البريطانية التي تمانع في اتخاذ خطوات أحادية تجارياً قد يترتب عليها ردّ فعل من بروكسل، تتسبب في حرب تجارية، مما يزيد في مصاعب المواطنين البريطانيين. وثانية العقبات ممثلة في مجلس اللوردات حيث يؤكد معلقون أن المجلس سوف يرفض الموافقة على تمرير قانون مكرّس لانتهاك الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك، أن الحكومة البريطانية ما زالت تهدد بتفعيل المادة 16 من الاتفاق، بإلغائه من جهة واحدة، ما لم تستجب بروكسل لمطالب بريطانيا بالعودة إلى منضدة التفاوض، ومحاولة تعديل الاتفاق بما يضمن رفع الحدود الجمركية، ومعاملة شمال آيرلندا كباقي مناطق بريطانيا. المشكلة أن الأحزاب البروتستانتية الاتحادية في الإقليم تطالب بإلغاء الاتفاق كليّة.