أكرم البني
كاتب وصحافي سوري وناشط في مجال حقوق الإنسان وإحياء المجتمع المدني. مواليد مدينة حماة - سوريا 1956. درس الطب البشري في جامعة حلب. يكتب في الشأن السوري.
TT

الحوار الكردي في سوريا!

هم قلة من توقعوا استمرار ونجاح جولات الحوار والتفاوض التي انطلقت منذ عامين في أبريل (نيسان) 2020 بين قطبي الحركة الكردية السورية، حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفائه أحزاب الوحدة الوطنية من جهة، والمجلس الوطني الذي يضم أكثر من عشرة أحزاب كردية من جهة أخرى. يحدو هذه القلة، الاستقواء بشيوع مزاج عام في الأوساط الشعبية تؤيد هذا الحوار وتجده فرصة ثمينة لتوحيد الصف الكردي، والاستقواء أيضاً برعاية الإدارة الأميركية لهذا الحوار وضغوطها المتنوعة لإنجاحه، والأهم بتنامي حاجة الطرفين الكرديين، وإنْ بدرجات متفاوتة، لمثل هذا الحوار، من أجل تقوية الذات وتعزيز القدرة على مواجهة المتربصين بالأكراد وحقوقهم، فحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية يتطلعان لفك العزلة السياسية عن الإدارة الذاتية، بعد تراجع وزنيهما جراء التدخل العسكري التركي في عفرين ورأس العين وتل أبيض، بينما يبدو المجلس الوطني الكردي الرابح الأكبر من نجاح الحوار على طريق تفعيل وجوده ومشاركته السياسية والعسكرية في إدارة المنطقة الكردية في سوريا.
لكن في المقابل ثمة كثرة من الآراء والمواقف توقعت فشل هذا الحوار وإن اختلفت في تحديد الأسباب والدوافع...
أولاً، ثمة من يرى الفشل في صعوبة التوصل إلى توافقات حاسمة بين طرفين تتباين أهدافهما ومصالحهما بشدة، حول مواضيع الخلاف، أوضحُها التجنيدُ الإلزامي، والمناهج التعليمية، وفك ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني، ثم مستوى مشاركة المجلس الوطني في الترتيبات السياسية العسكرية بما في ذلك تشريع وجود قوات البيشمركة التابعة له، ولا يخفف من هذه الصعوبة توصل الطرفين إلى تشكيل المرجعية الكردية العليا ووضع رؤية سياسية مشتركة لمستقبل سوريا والقضية الكردية، أو السماح لأحزاب المجلس الوطني بإعادة فتح مكاتبها وحرية النشاط السياسي في مناطق الإدارة الذاتية.
ثانياً، ثمة من يربط الفشل بالطبيعة التكوينية لحزب الاتحاد الديمقراطي التي يجدها عصية على التغيير، غامزاً، مرة أولى من قناة بنيته الآيديولوجية الستالينية التي تدعي ملكية الحقيقة وترفض الاعتراف بالآخر المختلف، ومرة ثانية باستحضار أمثلة كثيرة عن التفاف الاتحاد الديمقراطي على الاتفاقات بعد القبول نظرياً بها، أو إفشال تطبيقها على الأرض، وأهم مثال «اتفاقية دهوك»، عام 2014 التي نتج عنها التوافق على مرجعية كردية! ومرة ثالثة وجود تيار قوي في صفوف حلفاء حزب الاتحاد الديمقراطي يرفض هذا الحوار من الأساس، ويرفض تقديم أي تنازلات، وهو التيار الأقرب لحزب العمال الكردستاني، ما يفسر تكرار مهاجمة مكاتب أحزاب المجلس الوطني واستمرار تهديد واعتقال أهم ناشطيها، يعزز ذلك حضور وفاعلية كوادر حزب العمال الكردستاني في المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية، وحتى خارجها، كحركة المجتمع الديمقراطي ومجموعة الشبيبة الثورية، اللتين تمتلكان تأثيراً كبيراً في الحياة العسكرية والاقتصادية والسياسية في المناطق الكردية، ومرة رابعة اندفاعات المجلس الوطني لتحسين أوراقه، إنْ بالاستقواء بحليفه العراقي الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإنْ بمسارعته للمشاركة مع خصوم الإدارة الذاتية، كالمنظمة الآثورية، وتيار الغد، والمجلس العربي في الجزيرة والفرات، لتشكيل ما عُرفت بجبهة الحرية والسلام.
ثالثاً، ثمة من يجد سبب الفشل في حجم التدخلات الخارجية في الشأن الكردي، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعد الراعي الأكثر تأثيراً في هذا الحوار، وتشارك في غالبية جلساته، وتسعى لإنجاحه من خلال الضغط لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، طمعاً في تحقيق الاستقرار في شرق الفرات، على الرغم من ذلك، فثمة معارضون وأعداء كثر لتقدم الحوار الكردي ومن دوافع مختلفة.
يتفق النظام السوري وإيران ثم روسيا بدرجة ثانية، على رفض الحوار الكردي، ما دام الأول يتحسب من قيام إدارة جديدة مجدية وشرعية في شرق الفرات ستبعده أكثر عن التأثير بالمنطقة، وتعزز مخاوفه من استمرار حرمانه من مخصصات النفط وما ينتج من ثروات، في حين تسعى حكومة طهران لإفشال هذا الحوار ما دامت ترى في نجاحه نجاحاً لجهود الولايات المتحدة في تأسيس إدارة منفصلة عن دمشق في شمال وشرق سوريا، الأمر الذي يعزز من قوة واشنطن في المنطقة، ويضمن الاستقرار لوجودها العسكري، كما يضيّق أكثر على التمدد الإيراني خصوصاً في مناطق تواصل ما يسمى الهلال الشيعي.
صحيح أن حكومة أنقرة ترفض ضمناً وبشدة أي شرعنة للوجود المسلح الكردي في سوريا وتتحسب من تواصله مع الوجود المسلح لحزب العمال الكردستاني، لكنها لم تعلن موقفاً صريحاً معادياً لهذا الحوار، ربما لأنها تأمل في أن تُفضي مشاركة المجلس الوطني الكردي المنضوي في صفوف الائتلاف المعارض وسعيه لفرض شروطه السياسية والعسكرية في إدارة المنطقة إلى منحها ورقة قوة لمحاصرة حزب الاتحاد الديمقراطي، يعفيها من القيام بعملية عسكرية جديدة للحد من تفرده في إدارة شمال وشرق سوريا، هذا من دون أن نغفل مغازلتها للخطوات الأميركية الراغبة في تحجيم دور حزب الاتحاد الديمقراطي في مناطق الإدارة الذاتية عبر إشراك مكونات أخرى، عربية وآشورية وسريانية، وأيضاً رهانها على التفاهمات القديمة بينها وبين حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، والتي تسعى لإنجاح هذا الحوار، وتمارس الضغوط على المجلس الوطني الكردي لتقديم تنازلات، تمهيداً لفرض مشاركته في مناطق الإدارة الذاتية، ما يعزز دورها السياسي وما تجنيه من فوائد اقتصادية عبر عمليات تسويق النفط السوري، وتنشيط حركة التجارة بين تلك المناطق وإقليم كردستان.
استدراكاً، وبعيداً عن السبب الكامن وراء تجميد الحوار الكردي في سوريا، فإن ما نشهده هو تكرار لصور متعددة من فشل الحوارات والتوافقات في صفوف المعارضة، كأننا أمام آلية نمطية تحكم قوى التغيير السوري، هي عجزها عن التفاهم والتوافق وركونها إلى حالة التشرذم والتفكك، لكن، من باب التفاؤل، نتساءل: أليس للشعب الكردي وقواه السياسية خصوصية يمكن أن تنعكس بخصوصية في نتائج حواراته؟ وألم يحن الوقت كي تتجاوز القوى الكردية خلافاتها البينية وحساباتها الأنانية وتقدم خطاباً جامعاً يحرّر دورها من حصار دول الإقليم وقوى التطرف، خصوصاً أنها خير من يدرك مدى تأثير نجاح حوارها، ليس فقط على منطقة شمال شرقي سوريا، وإنما أيضاً على فرص بناء الثقة بين الأكراد والعرب كما على شروط تقدم العملية السياسية وماهية المستقبل السوري؟