يونـس سليمـاني
صحافي جزائري يشرف على الشؤون الدولية في «الشرق الأوسط»
TT

تاريخية اللحظة

إلى أي درجة يُمكن اعتبار الأزمة العالمية الحالية «لحظة تاريخية»، وكيف تبدو مآلاتها؟ السؤالان باتا يُطرحان نتيجة للأحداث القوية التي حملتها الأزمة، وافتراض انتهائها بتغييرات في النظام الدولي القائم.
معروف أن الحرب العالمية الثانية، كانت المحطة الأكثر تأثيراً في النظام الدولي في التاريخ المعاصر، ثم تلتها محطات أخرى وقت انهيار جدار برلين (١٩٨٩)، وسقوط الاتحادين السوفياتي واليوغوسلافي (مطلع تسعينيات القرن الماضي)، فبروز ظاهرة الإرهاب العابر للحدود ( ١١ سبتمبر ٢٠٠١ مثالاً)، ثم الثورات العربية (بدءاً من ٢٠١١) جراء فشل الحكم الرشيد وغياب الديمقراطية، وأخيراً أزمة «كوفيد ١٩».
تلك الأحداث أثّرت بدرجات متفاوتة في المشهد وسيرورته، لكنها لم ترق إلى إحداث انقلاب كلّي، وعليه ربما يكون سابقاً لأوانه الاستنتاج أن الأزمة الحالية ستفوق في تأثيرها الأحداث سالفة الذكر. المتابعون الذين يتوقعون تأثيراً أكبر، يتعلّلون بالخصوصيات غير المسبوقة للأزمة، وفي ما يلي بعضها:
- اقتراب العالم أكثر من أي وقت، من صدام عسكري بين القوى الكبرى ربما تُستخدم فيه أسلحة دمار.
- تحريك في شكل تحالفات الدول، وعودة الغرب إلى الاصطفاف أكثر خلف مؤسساته التقليدية، في مواجهة روسيا، مع ترك الدول المتوسطة والصغرى عالقة.
- مساعي الغرب لعزل روسيا سياسياً وإضعافها اقتصادياً ومقاضاتها جنائياً.
- ردود فعل روسيا بـ«معاقبة الدول غير الصديقة» والسعي لبدائل في علاقاتها عبر خلق نظام اقتصادي - مالي في محيطها ومع «أصدقائها» البعيدين في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
- اختبار العالم لتفاعل نوعين من المواجهة الدولية في آن: واحدة عسكرية داخل حدود أوكرانيا وأخرى غير عسكرية خارج حدود أوكرانيا.
- القلق الكوني من اهتزاز السلم الدولي ومن الأزمة الحادة في الأمنين الطاقوي والغذائي، وبالتالي تفش أكثر للفقر والجوع وربما حدوث اضطرابات داخلية في دول عدة بما فيها دول غربية ظّنت أنها ابتعدت نهائياً عن مظاهر الفقر والجوع.
هذه التشعّبات تطرح مستويات مختلفة للاستشراف، أحدها يتعلق بمخرجات الأزمة، وهنا يلوح سيناريوهان مرجّحان، معركة طويلة الأمد بلا حسم أو سيطرة روسيا على أجزاء جديدة في شرق أوكرانيا وجنوبها فتُقسّم البلاد وتنتهي الحرب بتسوية، وهناك سيناريوهان آخران أقل ترجيحاً هما استيلاء روسي شامل على أوكرانيا أو فشل «العملية الروسية الخاصة» بالكامل وعودة الوضع إلى ما قبل ٢٤ فبراير (شباط) 2022.
وهناك مستوى ثانٍ للاستشراف يتعلق بالمشهد العالمي، وهنا يمكن توقع حدوث بعض الترتيبات الجديدة في «النظام الدولي» مع استبعاد الانهيار الكامل.
وكلتا الحالتين (التغيير الجزئي أو الانهيار) تحرّكان تساؤلات فرعية عدة: هل تستطيع روسيا التوفيق بين مواجهة تداعيات العقوبات والمضي في خططها العسكرية؟ وهل يتحمّل الغرب الكلفة الباهضة لعزل روسيا؟ وهل ستطال الدعوات الجديدة التي حرّكتها الأزمة الحالية إصلاح المنظومة الأممية ومجلس الأمن ووضع حق الفيتو فيه؟ وكيف ستكون المحاكمات المرتبطة بهذه الحرب؟ وماذا عن دور الصين التي تقف متفرّجة وربما مبتهجة؟ وماهو المدى الزمني الذي يتحمّله الجميع لطول فترة الأزمة؟ «أسئلة تحدّيات» لن تجيب عنها سوى التطورات الميدانية والدبلوماسية.
واحدة من صعوبات الاستشراف هو عامل الفجائية، ذلك أن «أميركا بايدن» التي جاءت لترميم ما تسلّمته من ترمب، وضعت ثقل تركيزها في إعادة التعاون الدولي متعدد الأطراف في ملفي «كوفيد» والمناخ وغيرهما، مع التركيز على مواجهة الصين التي تمضي قدماً لتصبح الاقتصاد العالمي الأول، متجاوزة الاقتصاد الأميركي، بحلول ٢٠٣٠، إلا أن «روسيا بوتين» أربكت تلك الخطط وفجّرت الأزمة الأوكرانية.
الخلاصة: الأزمة خرجت إلى حد كبير عن السيطرة، والتعاطي الدولي معها بات وليد قرارات، تبدو آنية ومتقلّبة أحياناً، وذلك كله يحمل مخاطر عالية على السلم الدولي.