جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

أوكرانيا والانتخابات الرئاسية الفرنسية

لم يعد يفصلنا عن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة يوم 10 أبريل (نيسان) الحالي سوى أيام قليلة. استبيانات الرأي العام الفرنسية، على اختلافها، كلها تشير إلى احتمال فوز الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، وبقائه في قصر الرئاسة لفترة ثانية. نجاح «مانو» (Manu)، كما يسميه أنصاره تَحبباً، سوف يجعل منه أول رئيس فرنسي، بعد عقدين من الزمن، يتولى الرئاسة للمرّة الثانية. ثلاثة رؤساء قبله فشلوا في تحقيق ذلك، ولم يحظوا بالإقامة في قصر الإليزيه سوى لفترة واحدة (خمس سنوات). اثنان منهم تعرَّضا لمحنة الإذلال، بصدور أحكام قضائية بالسجن ضدهما، بتهم استغلال السلطة والفساد.
سجلّ السنوات الخمس الماضية يشير إلى أن الرئيس ماكرون لم يحظَ بإقامة هانئة في ذلك القصر الباريسي التاريخي، وفشل في تنفيذ ما وعد به من إصلاحات ووجِهَت برفض شعبي هائل، وسبَّبت غضباً شعبياً هائلاً، تحول إلى اضطرابات خطيرة في العاصمة باريس، وفي غيرها من المدن الأخرى، واستمر لشهور عديدة، ولولا تدخل الفيروس الوبائي، «كوفيد»، لما توقف. الغضب الشعبي العاصف قادته حركة السترات الصفراء، احتجاجاً على تفاقم الهوّة بين مختلف فئات المجتمع، وخاصة بين النخبة الباريسية وباقي المقاطعات. لكن، من جهة أخرى، يشير السجل الشخصي للرئيس ماكرون في الحكم، إلى أنه، وعلى عكس من سبقوه من الرؤساء، أفلح، خلال سنوات إقامته في قصر الإليزيه، في تقليص نسبة البطالة. النسبة الحالية هي 7.4 في المائة، وهي الأقل خلال الـ15 عاماً الأخيرة، حسب الإحصاءات الرسمية. حظوظ الرئيس ماكرون في الفوز بالانتخابات، والحكم لخمس سنوات أخرى، لا يرجع الفضل فيها لانتشار شعبيته؛ فهو، كما يؤكد خبراء في الساحة الفرنسية، مكروه من اليمين ومن اليسار ومن الشعبويين، بل لضعف منافسيه بشكل ملحوظ.
تفجّر الأزمة الأوكرانية، في الأسبوع الأخير من شهر فبراير (شباط) الماضي، كان له تداعيات ملحوظة في سير الانتخابات. بعضها كان إيجابياً، وأغلبها كان سلبياً، فيما يخص قائمة المرشحين للرئاسة. وعلى سبيل المثال، انعكست الأزمة بالإيجاب على حظوظ الرئيس الحالي، ماكرون، وكانت بمثابة حبل نجاة أنقذه من غرق محقَّق؛ بأن ضخّت دم الحياة مجدداً في شعبيته لدى الناخبين الفرنسيين، فارتفعت فجأة، على حساب منافسيه الآخرين. كان ذلك نتيجة الدور المميز الذي قام به محاولاً إطفاء الحريق الأوكراني، وسعيه الدائب إلى إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة وقف الحرب، والعمل على إيجاد حلول لها عبر التفاوض. تلك المبادرات السياسية الجريئة، لدى اشتعال نيران الأزمة، جعلت منه بطلاً قومياً في عيون مواطنيه، ومصدر فخر لفرنسا. استبيانات الرأي العام الفرنسية مؤخراً منحته 28.5 في المائة من دعم الناخبين، وهي نسبة مرتفعة، آخذين في الاعتبار عدد المرشحين.
وعلى عكس الرئيس ماكرون، تراجعت للخلف حظوظ منافسته اليمينية ماري لوبان، بسبب الأزمة الأوكرانية؛ فهي، إلى حدّ الآن، أقرب المنافسين إليه، وبنسبة دعم شعبي تصل إلى 17.5 في المائة. إلا أن مواقفها المتعاطفة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسياسته، في المرحلة التي سبقت الأزمة الأوكرانية، تدخلت سلبياً في حملتها الانتخابية، وألقت بظلال كثيفة على مصداقيتها.
واستناداً إلى تقارير إعلامية، قام مديرو حملتها الانتخابية بإتلاف مليون كتيب دعائي، بعد طباعتها، لاحتوائها على صورة لها تجمعها بالرئيس الروسي بوتين.
اليساريون الفرنسيون يزدرون الرئيس ماكرون وماري لوبان في آن معاً، ويقولون بعدم وجود فوارق بين الاثنين، سوى أن الأول ينظر بازدراء إلى الطبقات الفقيرة، والثانية تنظر بازدراء إلى بقية الأجناس.
ولعل المتضرر الأكبر من الأزمة الأوكرانية هو مرشح اليمين المتطرف، إريك زيمور، الذي يصفه بعض المعلقين بأنه النسخة الفرنسية من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. ومن المعروف عنه أنه كان لا يخفي إعجابه بالرئيس بوتين. وسبق له إن قال في أحد خطاباته إن فرنسا بحاجة إلى بوتين. لكن دخول الأزمة الأوكرانية على خط الانتخابات الرئاسية الفرنسية لم يكن في صالحه، وأدى، كما تقول التقارير الإعلامية، إلى انخفاض كبير في شعبيته، وانفضاض كثير من أنصاره من حوله، والتوجه بدعمهم إلى مرشحة الحزب الجمهوري.
المشكلة التي تواجه الرئيس ماكرون في حالة فوزه بالانتخابات في الجولتين المقررتين، حسب تحليلات المعلقين، تتمثل في ضرورة فوزه بالانتخابات التشريعية في شهر يونيو (حزيران) المقبل؛ إذ لو فشل أنصاره في تحقيق الفوز، فلن يتمكن ماكرون من حكم فرنسا.