محمود الورواري
إعلامي مصري
TT

الأمم المتحدة في معادلة الموت أو التعديل

يقولون «إن الغابة لا تبقى غابة حين تُبتر أشجارها».
هكذا الدول لا تبقى دولاً بعد الحروب، وهكذا العالم كله يجب ألا يبقى على حاله بعد أي حرب بغض النظر عن الجغرافيا التي تدور فيها الحرب، خصوصاً إذا كانت جغرافيا الإنسان الأبيض، الجغرافيا الأوروبية.
أوكرانيا، شاء الغرب أم رفض، ستكون التاريخ الفاصل في منظومة القيم الغربية والأميركية التي اكتشف المواطن في العالم الثالث الفقير زيفها وهو يقارن بين حرب في أوكرانيا وأخرى في العراق وأفغانستان، ويقارن بين لاجئ من جلدتهم ولاجئ من البلاد الفقيرة.
أوكرانيا ستكون الفاصل في التوافق الدولي تحت ما يسمى «الأمم المتحدة» التي وعلى مدار سبعة وسبعين عاماً لم تنجح إلا في مرات قليلة في تحقيق أهدافها، وهي حفظ الأمن والسلم الدوليين.
في المجمل الغالب ظل الإخفاق حليفها، ارتبط فشلها بكثير من الأزمات، والذين اشتغلوا على المقارنات بين القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة وكانت لديها القدرة على فرضها والقرارات التي اتخذتها وفشلت في تنفيذها، هي بنسبة لا تتخطى 1 في المائة.
إن فكرة قيادة العالم عبر هيئة دولية فكرة أثبت التاريخ السياسي فشلها؛ لأن قيمة العدل ظلت غائبة بسبب ارتهان قراراتها للأقوى وفشلها في تحقيق دورها.
عصبة الأمم المتحدة (التي قادت العالم في الفترة من 1920 وحتى 1945) تأسست على وقع مؤتمر فرساي، الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، وماتت لأنها عجزت عن منع قيام الحرب العالمية الثانية، وظلت جثة هامدة لمدة ستة أعوام منذ اندلاع الحرب عام 1939 وحتى توقفها عام 1945.
ولأن توازن القوى يتغير ومعه تتغير الإرادة التي تحكم العالم، تم الإعلان عن موت عصبة الأمم، وبدأ الحديث عن «الأمم المتحدة» وكان الرئيس الأميركي روزفلت أول من أطلق هذا الاسم عليها، في مؤتمر بموسكو عام 1943.
الغريب جداً، أن تلك المنظمة لم تكن منذ بدايتها منظمة دولية بالمعنى الحرفي للدول الـ193 المنضوية تحت مظلتها، وإنما كانت أداة في يد هيئة واحدة من هيئاتها وهي مجلس الأمن الذي تحول ومعه الأمم المتحدة كلها إلى أداة في يد الخمسة الكبار الذين يملكون حق الفيتو.
هؤلاء الخمسة الكبار هم الذين خرجت فكرة الأمم المتحدة من رؤوسهم، إنهم الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (أميركا، الصين، فرنسا، بريطانيا، الاتحاد السوفياتي) هؤلاء الخمسة أسسوا الأمم المتحدة مناكفة وعناداً لدول المحور (ألمانيا، وإيطاليا، اليابان ).
عاشت الأمم المتحدة رهينة هؤلاء الكبار ورهينة لانقساماتهم ورهينة أيضاً لتوافقاتهم وأسيرة توازن القوى؛ فالخمسة الكبار حين كانوا حلفاء سيطروا على المنظمة والعالم تحت مبدأ توافق القوى، وحين انقسم النظام العالمي إلى ثنائي القطبية تديره أميركا من جهة والاتحاد السوفياتي السابق من جهة أخرى، تحول التوازن إلى صراع قوى.
ولما انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك في نهاية الثمانينات وانفردت أميركا بحكم العالم منذ بداية التسعينات، وقتها ساد العالم نظام التفرد الكامل بالقوة في مواجهة عالم يسمع ويطيع.
خلال كل هذه الحقب التاريخية كانت الأمم المتحدة بكامل إداراتها وهيئاتها جارية في بلاط من يحكم العالم.
بعد سبعة وسبعين عاماً ما عاد العالم كما هو، وما عادت الأمم المتحدة كما هي؛ الحرب الأوكرانية أعادت تعرية الأمم المتحدة أمام نفسها؛ لأن الخلافات ضربت المتحالفين وخريطة التوافق.
ولأن الحرب الأوكرانية هي خلاف بين الكبار، بين المؤسسين الأوائل، ظهر عجزها وموتها.
أميركا ومعها الغرب يقفون عاجزين أمام الاجتياح الروسي لأوكرانيا، هي الحالة نفسها التي عاشتها عصبة الأمم عام 1939 حين وقفت عاجزة وهي ترى العالم يتصارع في الحرب العالمية الثانية.
عصبة الأمم تلاشت ودُفنت حين عجزت، أما الأمم المتحدة فرغم شيخوختها تتمادى في فشلها.
كما يقول البعض «كيف لمنظمة دولية أن تفشل في تحقيق البند الأول من ميثاقها الذي يقول «تتعهد الدول المشاركة في الهيئة الدولية بإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية والحفاظ على الحقوق الإنسانية وتحقيق العدالة والتسامح والعيش بسلام؟«.
الأمم المتحدة ماتت حين تم اجتياح أوكرانيا، وحين تم احتلال العراق رغماً عنها؛ فلم يكن القرار «1441» إلا قرار تفتيش عن أسلحة دمار شامل ولم يكن قرار حرب.
احتُل العراق رغم احتجاج 36 مليون إنسان في 3000 احتجاج حول العالم.
احتُلت أفغانستان في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 وبعد 20 عاماً اعترف الأميركيون بهزيمتهم وخطئهم ولم يعترفوا بالأجيال التي تم تدميرها.
البديل عن إعلان موت الأمم المتحدة هو تعديل ميثاقها، وهي فكرة مطروحة منذ 1993، جمعيتها العامة تبنت فكرة التمثيل العادل في مجلس الأمن وزيادة عدد أعضائه، لكن الفكرة ماتت لأن هذا التعديل ليس في مصلحة الخمسة الكبار الذين يملكون مجلس الأمن ويملكون معه كامل الأمم المتحدة.
بناءً على فكرة استحالة التعديل آن الأوان لأن تطرح بقية الدول المنضوية تحت المنظمة بعيداً عن الخمسة الكبار التفكير في «منظمة وهيئة عالمية بديلة» تواكب توازن القوى الحالي وتأخذ في الاعتبار البعد الاقتصادي، فكيف مثلاً لا تكون ألمانيا واليابان ضمن الكبار؟
منظمة تأخذ البعد التكنولوجي و«السيبراني» والإنساني في الوقت نفسه.. يعاد تقسيم العالم ليس على أساس من يملك السلاح وإنما على أساس من يملك التكنولوجيا والطب والمعارف الإنسانية.
في المحصلة، العالم يحتاج إلى منظمة دولية «إنسانية، اقتصادية، تكنولوجية» قبل أن تكون منظمة لإدارة السياسة عبر من يملكون السلاح.