آهٍ من زمهرير أسكوتلندا عندما يكون الشتاءُ في ذروته. بل آهٍ منه في كل شهر من شهور السنة. فزائر أسكوتلندا لا مناصَ له من لسعة بردِها، حتى ولو زارها في مهرجانِها الثقافي السنوي.
بعض الأسكوتلنديين ينصحون زوَّارَهم بأن يذهبوا إلى غلاسكو، وإذا سألت لماذا؟ أجبتَ بأنَّ غلاسكو تبتسم لزائريها أكثر من غيرها من مدن أسكوتلندا. لكن هذا القول لا يقي من سطوة زمهرير الشمال وبرده القارس.
في مواسمَ معينة ينصرف الأسكوتلنديون إلى عادتهم المحببة وهي اصطياد القطا. ويذكّرك هذا النشاط بالقول العربي: «لو ترك القطا ليلاً لنام». كما يردُّك هذا إلى ما قبل زمن عباس بن فرناس والقول العربي:
أسربَ القطا هل من مُعيري جناحَه
لعلّي إلى من قد هوِيت أطيرُ
يُقام في هذا البلد الطيب «مربدٌ» شعريٌّ في يوم الخامس والعشرين من يناير من كل عام يعشقه الأسكوتلنديون ويحترمونه. فهم يحتفلون في هذا اليوم بمولد أشهر شعرائهم على الإطلاق روبرت بيرنز، ويعدّون هذا الشاعر بمثابة شكسبير لدى الإنكليز.
الاحتفال يبدأ ليلاً ويسمون هذه الليلة «ليلة بيرنز».
ويقدّمون خلال هذا الاحتفاء الليلي الطويل، أطباقَ الهاغس وهي وجبةٌ أسكوتلنديةٌ عريقةٌ هي عبارة عن مزيج من قلوب الغنم وكبودها ورئاتها، مع الشوفان والتوابل وشحم وبصل، تخلط ثم توضع مكانَ أحشاء الحيوان المزالة، وتترك على النار لبضع ساعات حتى تنضج.
الجمال يلف هذا البلد من كل جانب... طبيعةٌ ساحرةٌ وأناسٌ طيبون. لكنَّ المحير هو اختيارهم للشوك شعاراً لهم.
نعم، فأسكوتلندا تتّخذ من (الثيسيل) Thistle رمزاً لها. والثيسيل ليس شوكاً عادياً، بل إنَّه شوكٌ سنانيٌّ مذبَّبٌ.
والملاحظ أنَّ جيران الأسكوتلنديين الجنوبيين يتخذون من الوردة Rose شعاراً لهم. فيما يتخذ الآيرلنديون زهرة (الشبذر) أو بالأحرى (النفل) أو البرسيم إن شئت Shamrock، رمزاً لهم.
فلماذا تَشوَّكَ الأسكوتلنديون وتورَّدَ الإنجليز والآيرلنديون؟
لكن هذا ليس بغريب. فقد اتَّخذت بعض الأمم من الحيوانات والأساطير رموزاً، فيما اتَّخذت أممٌ أخرى من النباتات والورود شعاراتٍ لها؟
ينطبق هذا الحال أيضاً على التجمعات والتكتلات الاجتماعية، ففيما يختار حزبٌ «الحمار» رمزاً له، يختار آخر «الفيل» شعاراً له. مثلما هو حاصل في أميركا. الصُّدف ربَّما تلعب دورها في هذه الاختيارات، كما حدث مع الأسكوتلنديين.
وتحكي المصادر عن هذا النبات الشوكي اللساني قائلة: إنَّ الثيسيل كان له الفضل في حماية الأسكوتلنديين من هزيمة كارثية على أيدي جيرانهم الجنوبيين الإنكليز، فهذا الشوك كان شوكة في عين الأعداء، فقد أعاق تقدُّمَهم مما تسبَّب في دحرهم.
فتخيَّلوا ماذا كان سيحدث لو كان هذا الشوك ورداً؟
لا غرابة إذاً في أن تكرّم أسكوتلندا هذا الشوك الفتَّاك، وتتخذه شعاراً لها، وتتجاهل الوردَ والنرجسَ البري الذي يغطي مساحاتٍ شاسعةً منها!
8:7 دقيقه
TT
شوك كاليدونيا الفتَّاك
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة