وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

«ليب» و«سيليكون فالي» لإنتاج «يونيكورن» سعودي

لدى السعودية طموحات وأحلام عديدة، من أبرزها بناء وادي سيليكون في قلب المملكة، على غرار وادي السيليكون في الولايات المتحدة، الذي كان وما زال منجماً للشركات الناشئة والصاعدة، التي تحوَّل العديد منها إلى «يونيكورن»، وهو مصطلح يُطلَق على أي شركة ناشئة تتجاوز قيمتها مليار دولار.
في البداية كان التركيز منصبّاً على رفع مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى 35 في المائة من الناتج المحلي بحلول 2030. ولكن يبدو أن السعودية بدأت تفكر فيما تفكر فيه دول أخرى تسعى لإنتاج أكثر من «يونيكورن».
إذا كانت الاستراتيجية الحالية تدعم إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ورفع مساهمتها في الناتج المحلي؛ فهذا أمر ليس بالمستحيل. أما إذا كان الهدف هو إنتاج «يونيكورن» أو يونيكورنات سعودية، فهنا قد لا تكون الأمور بالسهولة التي يتوقعها كثيرون.
ويبدو واضحاً أن أحد أهداف «مؤتمر ليب» هو دعم الشركات الناشئة، من خلال مبادرة مثل مبادرة «كراج» التي أعلن عنها خلال المؤتمر. هذا النوع من المبادرات يبدو جاذباً من ناحية المبدأ، ولكنه من ناحية الأثر قد يحتاج لبعض الوقت.
لنفهم ماذا حدث في الولايات المتحدة... لم تخلق الحكومة كراجات ولا اختارت الحكومة مكان السيليكون فالي ووضعت فيه الشركات لتخلق أي شيء.
الموضوع جداً سهل ومختصر؛ الشركات الناشئة ورواد الأعمال يظهرون عندما يكون هناك نظام إيكولوجي قوي يجمع بين المعرفة والتمويل وتبادل الخبرات.
إن رائد الأعمال شخص فريد من نوعه، يولد على هذا الشكل، ولا يصبح رائداً لأن هناك مبادرات تدعمه، على العكس من يخلقون الشركات الناشئة لا يريدون تدخل أحد. وكلما قلَّت العراقيل والقيود والبيروقراطية، ارتفع سقف الإبداع.
نعم، هؤلاء الرواد يحتاجون إلى تحفيز وممكنات، ولكنهم يستطيعون النجاح دونها. يحتاجون لبيئة تجارية ومجتمع يقدر الأعمال.
إن أهم عنصر يجب أن يكون متوفراً هو الثقافة المجتمعية التي تدعم ريادة الأعمال. ونشكر هنا كل الجهات التي تقدم الدعم المعرفي من هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى بنك التنمية الاجتماعية، الذين يقدمون العديد من الدورات لتشجيع الرواد.
مشكلة ريادة الأعمال ليست مسألة تمويل، إذ إن المملكة لديها أموال كافية، بل مسألة بيئة داعمة ونظام إيكولوجي.
نحتاج إلى جامعات قوية تعلم الشباب ريادة الأعمال، لأن الجامعات الحالية متخصصة في إنتاج الموظفين. ولا يمكن لوزارات أن تقوم مقام الجامعات.
الأمر الآخر هو الثقافة المجتمعية لدى الأهل، إذ إن الدعم الأساسي يأتي منهم لخلق الرواد. وللأسف، نسبة كبيرة من الأهالي يشجعون أبناءهم على الوظيفة.
وحتى نخلق بيئة جيدة، يجب أن نخلق الحاجة لدى الشباب للبحث عن فرص لإنشاء مشروعاتهم. إن الوظيفة بنظامها الحالي مدمر لريادة الأعمال، خاصة وظائف الدولة التي بالإمكان الانضمام لها والبقاء فيها للأبد.
إن مجتمع كالمجتمع الحالي لا يستطيع إنتاج سوى أصحاب مشاريع صغيرة، وليس مشروعات ناشئة.
أخيراً، هل هناك جهة تنظيمية ترعى مصالح رواد الأعمال؟ هناك تداخل في السلطات بين الجميع، والمبادرات منتشرة ولا أحد يستطيع معرفة الجهة المسؤولة، ولو أنها وزارة التجارة؛ فهذا لا يفيد، لأنها لم تخلق لدعم مشاريع كهذه.
ولهذا قبل المضي قدماً في المبادرات، علينا أن نرجع للخلف قليلاً للنظر في الثقافة والممكنات.