د. حسين الطائي
أكاديمي وصحافي عراقي يعمل في «الشرق الأوسط»
TT

متلازمة تنظيم «باعش» في العراق

فدائيو صدام ميليشيات تابعة لحزب البعث والرئيس العراقي السابق صدام حسين. لم تكن جزءًا من الجيش العراقي قط، لكنها ترتبط برئاسة الجمهورية مباشرة، ويشرف عليها شخصيا عدي نجل صدام الأكبر؛ الذي قتل في الغزو الأميركي للعراق، ولم تكن بحوزة هذه الميليشيات أسلحة ثقيلة، ولكنها كانت مدربة تدريبا عاليا.
تأسست في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 وكان عدد أفرادها حينذاك بين 10.000 و 25.000 فرد، وفي عام 1998 تفرعت من التنظيم تشكيلة أخرى اطلق عليها أشبال صدام لتهيئة وتدريب الصغار الذين يبلغون من العمر بين 10 و 15 عاما.
وبالاضافة الى الإشراف المباشر من عدي، كان يتولى ادارتها العسكرية رئيس اركان برتبة فريق ركن مع وجود أمانة سر (سكرتارية) بين رئاسة الأركان ومكتب المشرف، وعدد القوات حينها 20 قوة - قوة لكل محافظة ولبغداد قوتان مع وجود قوة ضاربة مركزية.
وترتبط برئاسة أركانها أقسام وتشكيلات متعددة منها: مدرسة تدريب وكتيبة مخابرة والأشبال ومستودع العينة.. وغيرها.
ويتميز منتسبو هذه الميليشيات من الضباط والمراتب والفدائيين بارتداء الملابس السوداء الكاملة مع وجود علامة الفدائيين على الذراع الأيمن والعلم العراقي على الأيسر.
كانت مهمة هذه الميليشيات أمنية فقط؛ حيث ينتسب إليها من كافة شرائح المجتمع مثل الطلاب والمعلمين والموظفين والفلاحين، كما كان الانتساب اختياريا والحضور يوما واحدا بالشهر في الأيام الاعتيادية، اما في الظروف الطارئة فعلى الجميع الحضور، وكان من المهام المنوطه بهذه المؤسسة القضاء على الفساد وتهريب الآثار والمزورين والعصابات المنظمة، كما كلفت بواجب تصفية بيوت الدعارة، وذلك بأمر من صدام حسين شخصيا.
كان أفراد هذه الميليشيات أثناء غزو العراق - في 2003 والذي انتهى باحتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين- متمركزين في بغداد وباقي المحافظات، حيث انه توجد مقر أمرية في كل محافظة وكانوا ينفذون هجمات ضد القوات الأميركية وخاصة في معارك مطار صدام الدولي والناصرية وجسر ديالى قرب بغداد وغيرها، وكانت مهمتهم أيضا التمرد، كما كان أعضاء التنظيم خلال هذه الفترة يلبسون الزي المدني ما جعل أمر التعرف عليهم صعبا.
لقد عرف عن هذه الميليشيات ممارساتها البشعة في القتل والتعذيب والتنكيل بالأشخاص المعادين لشخص الرئيس والمعارضين له ولنظامه، وقد تفاوتت أساليبهم بين قطع الرؤوس وكسر الظهور وبتر الأعضاء وقطع الآذان وجدع الأنوف وغيرها من العمليات الإجرامية التي أبسط ما يقال عنها إنها لا تنتمي إلى الانسانية بشيء.
وقد نشرت «الشرق الأوسط» بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 في عددها الصادر في تلك السنة، مقابلة مع أحد أفراد هذه الميليشيات، تحدث مفصلا عن هذه الأساليب اللاانسانية التي كانوا يمارسونها.
لم يكن هذا الأمر مألوفا في العراق ولا في العالم أن يقوم أنسان بقطع رأس انسان ورفعه عاليا وهو يصرخ عاليا (الله أكبر).
وأكاد أجزم أن هذه المشاهد التي اعتاد عليها العراقيون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لم يكن العالم يعرف بها إلا بعد ظهور "القاعدة" و"داعش" وغيرها من التنظيمات الإرهابية، متخذة نفس الخط الذي سارت عليه هذه الميليشيات، والأمر لا يحتاج الى ذكاء خارق لمعرفة المؤسس والممول والمحرك لهذه الجماعات، فالأسلوب واحد والملابس سوداء واحدة واستخدام الدين وسيلة وذريعة لتنفيذ المآرب واحدة. فحزب البعث العراقي الذي فقد الحكم في العراق عمل جاهدا وبكل ما يستطيع من قوة ووسيلة للعودة الى الحكم، وقد استخدم المخلصين من أتباعه لتنفيذ ذلك وهم فدائيو صدام الذين ما زالوا مستمرين في خلاياهم السرية وبقادتهم ومموليهم يعبثون بالبلد، وهم الذين يقومون بتفخيخ السيارات وقتل المدنيين وخطفهم وقطع الرؤوس التي اعتادوا عليها، تحت مسميات "القاعدة" و"داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى. وهذا الأمر لم يعد خافيا. فقد أكد سفير العراق في بريتوريا هشام العلوي أن قائد التنظيم "أبو بكر البغدادي" واسمه الحقيقي ابراهيم السامرائي كان أحد أعضاء فدائيي صدام، وان التنظيم يقوده عدد من عناصر الأمن وأجهزة المخابرات في النظام السابق ويشتمل على عناصر من خارج العراق جاءوا من دول مختلفة.
ونتساءل ألم تكشف صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن قادة من حزب البعث السابق تسلموا مراكز قيادية في التنظيم، كما أن مراسلتها ليز سلاي في سانيلفور التركية التقت مع أبي حمزة، وهو مقاتل من سوريا، الذي أكد أن هناك أسماء قيادات سابقة في نظام صدام حسين، بينهم أمير ملثم عمل في المخابرات العراقية سابقا، ويقدم الآن خدماته للتنظيم؟
ونقلت الصحيفة عن الباحث في جامعة الدفاع الوطني العقيد جول ربيرن، قوله في كتابه "العراق بعد أميركا" أن الجيش الأميركي كان يعرف بالدور الذي أداه ضباط البعث في فصائل (المقاومة)، والدعم التكتيكي الذي قدموه لتنظيم القاعدة الذي ولد منه تنظيم الدولة لاحقا. ويقول العقيد السابق: "كان بإمكاننا التوصل إلى وسائل لمنع التداخل وإكمال عملية عرقنة التمرد، لكن وصفهم بأنهم ليسوا مهمين كان خطأ".
كما يؤكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المتشددة هشام الهاشمي، في مقابلة خاصة لإحدى الاذاعات، عن دور البعثيين داخل تنظيم "داعش"، قائلا إن قيادات الخط الأول تضم 43 قائداً بينهم 15 قيادياً بعثياً، وان نسبة البعثيين في القيادات الميدانية ليست أقل من 50%، وان عدد المقاتلين البعثيين داخل صفوف "داعش" يصل الى أكثر من 12 ألف مقاتل، بينهم خمسة آلاف مقاتل بعثي داخل محافظة الأنبار وحدها.
ويلفت الهاشمي الى أن السر وراء صعود تنظيم "داعش" في العراق هو تمكنه من مزج خليط من الخبرات القتالية للجماعات المهاجرة والخبرات الأمنية والعسكرية والمعرفة بجغرافية العراق لدى البعثيين.
ويظل السؤال الأهم القائم هو كيف استطاعت هذه الميليشيات البعثية التوجيه والمنشأ، أن تقوم بكل هذه الأحداث في مدة قياسية، بل وتصمد أمام الآلة العسكرية والحشد الكبير. لا بد من تشخيص الأسباب التي وقفت وراء ذلك، فالأولى تشخيص المشكلة قبل القضاء عليها لمعرفة حجمها والأساليب التي من الممكن ان تستخدم في القضاء عليها. بل والعمل على تلافيها في المستقبل من أجل التخلص منها نهائيا ولضمان عدم عودتها.