«كيف تبدأ الحروب الأهلية»، كتاب جديد للباحثة السياسية باربرا والتر، أُستشهد به في كل مكان؛ مواكبة لحلول ذكرى شغب الشتاء الماضي في مبنى الكابيتول. لمحوا جميعاً لأعمال والتر في مقالات تتناول إمكانية وقوف الولايات المتحدة على حافة الهاوية، مع سنوات من الحرب الأهلية تلوح في الأفق.
يبدأ الكتاب بقصة تعود لخريف 2020: مؤامرة لاختطاف غريتشن ويتمير حاكم ولاية ميشيغان، حاكتها مجموعة من الميليشيات اليمينية المعارضة لقيود ويتمير ذات الصلة بالجائحة الراهنة. ولحسن الحظ كانت المباحث الفيدرالية على علم بما يجري وتمكنت من إحباط المؤامرة، غير أن المؤامرة المزعومة باختطاف الرهائن، كما تزعم والتر، تنذر بما هو أسوأ في المستقبل. غالباً ما تبدأ فترات الحرب الأهلية بالموتورين من أمثال عناصر الميليشيات المسلحين الذين ينقلون أعمال العنف مباشرة إلى الناس.
عندما نقول إن المباحث الفيدرالية الأميركية كانت «على علم» بالمتآمرين، ماذا يعني ذلك بالضبط؟ لأنه في هذه اللحظة، يخيّم على دعوى الحكومة ضدهم الكثير من اللغط والتشابك الملحوظ. وقد وجهت الاتهامات بحق 14 رجلاً بارتكاب جرائم، استناداً جزئياً إلى أدلة تفيد التقارير بأنها قُدمت من قبل ما لا يقل عن 12 مخبراً سرياً - مما يعني أن المباحث الفيدرالية كان لديها مخبر واحد تقريباً لكل متهم بالقضية.
ووفقاً لتقارير من جيسيكا غاريسون وكين بنسنغر من موقع «بازفيد»، فإن أحد هؤلاء المخبرين، وهو شخص يدعى ستيفن روبسون، يبدو أنه كان محرضاً رئيسياً للمؤامرة. ويُزعم أنه استخدم أموالاً حكومية لدفع ثمن الوجبات وغرف الفنادق، وشجع الناس على «التنفيس عن غضبهم إزاء الحكام الذين فرضوا قيوداً خاصة بفيروس (كورونا)»، و«التخطيط لأعمال عنف ضد مسؤولين منتخبين والحصول على أسلحة ومواد لصنع القنابل»، وتابع بمنتهى الحسم، واصفا المتآمرين المحتملين بأنهم «يعملون كل يوم تقريباً». هذه الشكوك، بدورها، يمكن أن تمتد بشكل معقول إلى النظرية الكاملة للحرب الأهلية الأميركية التي تلوح في الأفق.
إجمالاً، فإن الأدب الأكاديمي والصحافي عن الانقسامات الأميركية يقدم وصفاً دقيقاً إلى حد معقول للانقسام الأميركي المتزايد. فالبلاد بالتأكيد أكثر استقطاباً آيديولوجياً مما كانت عليه قبل عشرين أو أربعين عاماً. وبالفعل، مع انحسار المسيحية المنظمة، يمكن القول إنها أكثر استقطاباً ميتافيزياً أيضاً.
في الوقت نفسه، يعاني الأدب من مشكلة خطيرة تتعلق بالتحيز الليبرالي، وهي سذاجة مستمرة حول أدوار اليسار والوسط في تعميق الاستقطاب. وخلال معظم سنوات عقد 2010 كان من الواضح تحرك الليبراليين باتجاه اليسار بشكل أسرع بكثير، بينما لزم الجمهوريون أماكنهم. ومع ذلك، فإن مخاطر هذا النوع من عدم التناظر تحظى باهتمام أقل بكثير من الخبراء.
وعلى نحو مماثل، غالباً ما يتم تحليل دراما السياسات الاحتجاجية لعام 2020 بطريقة تقلل من الرمزية الثورية لاحتجاجات اليسار - أي تسخيف المعتقدات التقليدية وهدم التماثيل، والفوضى الثائرة حول المباني الفيدرالية والبيت الأبيض، والحماس لإعادة التسمية وإعادة الصياغة - والتركيز بشكل مكثف على استجابة اليمين، والتعامل مع ردود الفعل المحافظة، وكأنها بزغت من الجانب الرجعي بدلا من كونها بمثابة رد فعل دوري.
التحيز الآخر في أدب الحرب الأهلية هو نحو شكلين مرتبطين من المبالغة. الأول، التأكيد المبالغ فيه على ما يقوله الأميركيون عن اعتقادهم، وليس ما يفعلونه فعلياً (حتى الآن على الأقل). من الصحيح تماماً أن مجرد النظر في بيانات الاقتراع، فإنك ترى الكثير من المعتقدات التي تمنح ترخيصاً ليس فقط لاحتجاج عرضي، وإنما لنوع من التمرد المستمر. وهذا لا يشمل فقط نظريات ترمب الانتخابية المسروقة، بل والمعتقدات الشعبية حول الرؤساء الجمهوريين الحدثاء - وبأن جورج دبليو بوش كان على علم مسبق، بل وسمح بوقوع هجمات 11 سبتمبر، وأن الروس تلاعبوا بعمليات فرز التصويت من أجل تنصيب دونالد ترمب - رأس حربتهم الأمين - في البيت الأبيض!
ومع ذلك، فإن الأغلبية الساحقة من الأشخاص الذين يحملون هذه الأنواع من المعتقدات لا تظهر لديهم علامات التحول إلى العنف الفعلي. وبرغم من كل الأحاديث عن «المقاومة» الليبرالية في عهد ترمب، كانت استجابة الجناح اليساري المميزة لإدارة ترمب لا تتمثل في الانضمام إلى حركة الاحتجاج اليسارية (أنتيفا)، بل في التعبئة لانتخاب الديمقراطيين، فقد تطلب الأمر توافر الظروف الغريبة المصاحبة للجائحة وقرارات الإغلاق، وشرارة مقتل جورج فلويد، لتحويل معاداة ترمب إلى احتجاجات وطنية تحولت إلى أعمال عنف داخلية.
على نحو مماثل، وبرغم المخاوف من ميلاد نسخة «حزب الله» الأميركية التابعة للحزب الجمهوري في السادس من يناير (كانون الثاني)، فلم تكن هناك متابعة كبيرة أو ملحوظة من طرف اليمين المتطرف للأحداث الجارية، كما لم نشهد أي زيادة كبيرة في أعداد المنتمين لحركتي «براود بويز» أو «أوث كيبرز»، ولم نشهد أيضاً أي حملة إرهابية مضادة لجوزيف بايدن. وبدلاً من ذلك فإن الجمهوريين الذين يؤمنون بفرضية الانتخابات المسروقة يبدون في الأغلب متحمسين لاحتمال التغلب على الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي، ويسلك المؤمنون المخلصون المسلك الأميركي المميز للغاية المتمثل في ترشيح أنفسهم للمناصب المحلية.
وقد أثار ذلك خوفاً ليبرالياً مختلفاً، وهو أن هؤلاء المسؤولين الجدد يمكنهم المساعدة في التعجيل بحدوث أزمة دستورية عبر رفض القيام بواجبهم في انتخابات متقاربة في 2024، ولكن هذا الخوف مثال للمشكلة الأخرى المتمثلة في المبالغة في أدبيات الحرب الأهلية الوشيكة، أو الطريقة التي تتحول بها مشاركات الهدف المحرز عندما تشكك في أحداث «فورت سومتر» أو أوروبا في ثلاثينات القرن العشرين.
* خدمة «نيويورك تايمز»
TT
دعونا لا نخترع حرباً أهلية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة