وصل العلماء الإسرائيليون الذين راقبوا عينات مياه الصرف الصحي عام 2013 لاكتشاف مذهل: تفشي شلل الأطفال صار وشيكاً. وسرعان ما تم حشد حملة تطعيم وطنية ولم تظهر أي حالات. وفي السنة نفسها، زود العلماء السويديون، الموظفين العموميين، بإنذار مبكر عن تفشي التهاب الكبد الفئة (أ) وفيروس «نوروفيروس» باستعمال الطرائق نفسها.
إذا كنا نريد استعادة والاحتفاظ بحياة طبيعية، سوف نحتاج إلى النوع نفسه من نظام الإنذار المبكر من أجل المتغيرات والأوبئة في المستقبل. ولحسن الحظ، نحن نقترب من ذلك.
وقد أصبحت مراقبة شبكات الصرف الصحي الآن واحدة من أبرز المجالات الساخنة في مجال بحوث الوباء، حيث يتم التخلص من الحمض النووي الريبوزي الفيروسي عبر البراز. (فهؤلاء الذين يشعرون بالحساسية المفرطة إزاء ذلك، لقد حذرناكم). وباستخدام هذا النهج بشكل صحيح، يمكن أن يساعد سلطات الصحة العامة على بناء القدرة على الصمود ضد انتشار الفيروسات. وقد زودت مراقبة مياه الصرف الصحي السلطات بصورة عن ارتفاع معدلات المتغير «أوميكرون». وتقوم بريطانيا بعمليات مراقبة واسعة النطاق لمياه الصرف الصحي (تشمل العينات 70 في المائة من السكان في إنجلترا) وهو إنجاز لا يستهان به بالنظر إلى عمر نظام الصرف الصحي. وقد تم تكثيف المراقبة خلال الجائحة تحت رعاية وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة. وقد توافق «أوميكرون»، الموجود في مياه الصرف الصحي، مع الاتجاهات الإكلينيكية التي لوحظت في جميع أنحاء البلاد منذ بداية ديسمبر (كانون الأول). إن البحث في مياه الصرف الصحي عن مفاهيم جديدة في مجال الصحة العامة ليس بالأمر الجديد على الإطلاق. على مدى عقود، بحث العلماء عن مسببات الأمراض الفيروسية وغيرها من المؤشرات الحيوية، بما في ذلك العقاقير غير المشروعة، في المياه التي نتخلص منها في المستشفيات والمنازل والشركات. ومع ذلك، وقبل وباء «سارس - كوف - 2»، كانت معظم مراقبة مياه الصرف الصحي صغيرة نسبياً، وتتركز في كثير من الأحيان على العينات الاسترجاعية التي تم تحليلها إلى حد كبير لأغراض أكاديمية أو صحية عامة.
كانت هولندا من أوائل البلدان التي أثبتت إمكانية التقاط فيروس «سارس - كوف - 2» في نظم الصرف الصحي. ومنذ ذلك الحين يتدفق تمويل الأبحاث إلى ذلك المجال. كما تم تجميع أنظمة المراقبة وتوسيعها وجعلها تعمل بشكل أسرع. وتملك بعض البلدان لوحات معلومات متطورة موجهة للجمهور.
وأقامت وكالات فيدرالية في الولايات المتحدة النظام الوطني لمراقبة مياه الصرف الصحي لإبلاغ وتنسيق مزيج الجهود التي تبذلها الحكومة والجهود المحلية. وساعد العلماء في جامعة «كاليفورنيا ميرسد» في إنشاء لوحة معلومات شاملة تحت مسمى «كوفيد بوبز – 19» لنشر معلومات عن اختبارات مياه الصرف الصحي على مستوى العالم، وتغطي حالياً الجهود المبذولة في 58 بلداً. وقد تكون مثل هذه الأنظمة أفضل مؤشر لنا، على الأقل إذا كان أولئك الذين يقومون بعملية أخذ العينات يعرفون ما يبحثون عنه. وقد قام علماء في جامعة برشلونة باختبار عينات أرشيفية من مياه الصرف الصحي (التي تم تجميدها) وعثروا على فيروس «سارس - كوف - 2» يعود إلى منتصف يناير (كانون الثاني) 2020، قبل 41 يوماً من الإعلان عن أول حالة في 25 فبراير (شباط).
كشفت عينات الصرف الصحي في باريس عام 2020 عن انتشار الحمض النووي الريبوزي الفيروسي الذي توقع شكل منحنى العدوى. وفي بعض الأماكن المحتواة، مثل المدارس أو دور الرعاية أو المطارات، يمكن لأخذ عينات من مياه الصرف الصحي أن يوفر وقتاً حرجاً للسلطات الصحية من أجل حشد الاختبارات الإكلينيكية أو غيرها من الإجراءات الأخرى. في إحدى الدراسات في بريطانيا، تم الكشف عن فيروس كورونا في نظام الصرف الصحي لنسبة 80 في المائة من المدارس التي تمت دراستها قبل أسبوع من تأكيد الاختبارات المجتمعية.
يقول ألبرت بوش، أستاذ الأحياء الدقيقة في جامعة برشلونة ورئيس مختبر الفيروسات المعوية، الذي يدير برنامج المراقبة في إسبانيا، «عندما نصل إلى ذروة الموجة كتلك التي حدثت في ربيع عام 2020، فإننا ندرك أننا في حالة وباء. ولكن عندما تكون في الوضع الحالي، حيث ظهر الفيروس من جديد وتظهر متغيرات جديدة، من المهم جداً عندها أن يكون لديك نظام للإنذار المبكر». وقد عثر فريقه على «أوميكرون» في مدريد في الأسبوع نفسه الذي تم الإبلاغ عنه في جنوب أفريقيا.
توفر هذه الأنظمة طريقة فعالة نسبياً من حيث التكلفة للبحث عن وجود الفيروس وتحديد الاتجاهات. ولا تتأثر نتائج مراقبة مياه الصرف الصحي بعدم إتاحة إمكانية إجراء الاختبارات، أو بما إذا كان الناس يكلفون أنفسهم عناء إجراء الاختبارات. كل ذلك يمكن أن يساعد السلطات في تحديد الأماكن التي تُستهدف فيها الموارد، مما يعني ردود فعل أسرع وقيوداً أقل على معظم الناس.
ومع ذلك فهي أيضاً أصعب مما تبدو. الفروق في المنهجية والظروف وتحليل العينات يمكن أن تجعل المقارنات بين المناطق صعبة، فلا يزال هناك فهم ضعيف في العديد من الأماكن حول كيفية تفسير واستخدام بيانات المراقبة لأغراض الصحة العامة. إن تكنولوجيا مراقبة مياه الصرف الصحي هي في بعض النواحي تكنولوجيا أساسية جداً، ولكن هناك تعقيدات يمكن أن تقف في طريق الحصول على قراءات دقيقة أو استخدامها في السياسة. وبخلاف الحمض النووي الريبوزي الفيروسي الموجود في مسحة الأنف أو الحلق، تحتوي مياه الفضلات على مواد بيولوجية وكيميائية كثيرة يمكن أن تشوه الصورة. والتغيرات في التركيب الفيزيائي والكيميائي لمياه الصرف الصحي تعني أنها أقل استقراراً بطبيعتها من المسح الأنفي القياسي.أبسط تقنية هي ما يعرف بنموذج الإمساك - أي «المِغْرَفَة» المغموسة في مياه الصرف الصحي. ولكن العينات يمكن أن تتأثر بأي عدد من العوامل من وقت اليوم (إذ يستخدم معظم الناس الحمام في الصباح)، إلى الطقس (تأثير الأمطار الغزيرة). المراقبة الأكثر تطوراً، المعروفة بأخذ العينات المركبة، تستعمل مضخات قابلة للبرمجة لسحب الماء على فترات منتظمة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»