بيتر كوي
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

التربح في ظل الوباء

تمكنت الشركات من زيادة أرباحها في الوقت الذي رفعت فيه الأسعار. لذا، كان من الطبيعي التساؤل حول ما إذا كانت محاولات التربح السبب وراء التضخم الحالي.
تدعم الأرقام فكرة أن الشركات وسّعت هوامش ربحها من خلال رفع الأسعار. وطبقاً للبيانات الصادرة من مكتب التحليل الاقتصادي، تراجعت أرباح الشركات خلال فترة الركود التي شهدها عام 2020، لكنها عاودت الانتعاش منذ ذلك الحين، وكانت أعلى بنسبة 22% خلال ربع العام من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) من هذا العام مقارنةً بالفترة نفسها قبل عامين، قبل جائحة فيروس «كوفيد - 19».
إلى جانب ذلك، تقف هوامش الربح اليوم عند أعلى مستوياتها منذ عام 1947 على الأقل، وهي أبعد نقطة زمنية يملك مكتب التحليل الاقتصادي بيانات ربع سنوية عنها. من جهته، لا يكشف المكتب هوامش الربح، لكنني جمعت هوامش الربح الخاصة بالشركات المحلية غير المالية عن طريق قسمة أرباحها بعد الضرائب، وتعديلات المخزون، وتراجع القيمة على القيمة المضافة الإجمالية. (القيمة المضافة الإجمالية هي مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي).
ونظراً لأن أرقام الأرباح هذه تخص شركات، فإنها تهيمن عليها شركات كبرى. من ناحيته، أوضح تشارلز شارف، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «ويلز فارغو»، خلال لقاء أُجري عبر الهاتف مع عدد من المحللين المعنيين بالأسهم، وذلك في 7 ديسمبر (كانون الأول): «تملك الكثير والكثير من الشركات قوة تسعيرية تقول إنها لم تشهد مثلها من قبل قط. وهؤلاء هم الأشخاص الذين بنى آباؤهم هذه الشركات، بينما هم يتولون إدارتها اليوم، ويقولون: لما يسبق لنا قط أن تمكنّا من رفع الأسعار على هذا النحو».
وثمة تساؤلات تطرح نفسها هنا: هل الأرباح المرتفعة في زمن «كوفيد - 19» أمر سيئ؟ وكم حجم الربح الذي يعد ضخماً للغاية؟ وما الظروف التي يجوز للشركة رفع الأسعار فيها؟ ومتى يصبح بذلك بمثابة ابتزاز؟ إذا كان جني الربح يمثل مشكلة، فهل بمقدور الحكومة تقييد الأسعار أو الأرباح لإفادة المستهلكين دون تحطيم الآلة الرأسمالية دون قصد منها؟
هذه ليست أسئلة سهلة وليست لديّ إجابات حازمة، لكني أريد أن أتطرق إلى بعض الحجج التي يقدمها كلا الجانبين.
تتمثل واحدة من المسائل العالقة هنا في ما إذا كان الافتقار إلى المنافسة -بسبب الاحتكار أو احتكار القلة- يسمح للشركات بالتهام المستهلكين. إذا كان الأمر كذلك، فستكون مكافحة الاحتكار علاجاً طبيعياً.
جدير بالذكر في هذا الصدد أنه في 10 ديسمبر انتقد البيت الأبيض الشركات الأربع الكبرى لتعليب اللحوم التي تسيطر مجتمعةً على ما يتراوح بين 55 و85% من سوق اللحوم. في منشور على إحدى المدونات، كتب بريان ديس، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، واثنان آخران من مسؤولي المجلس، أن ارتفاع الأسعار من جانب مصنّعي اللحوم كان يسهم في التضخم، في الوقت الذي «زادت أرباحهم الإجمالية على نحو جماعي بأكثر من 120% منذ ما قبل الجائحة، وارتفع صافي دخلهم بنسبة 500%».
في 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية، بقيادة رئيستها الجديدة لينا خان، عن إجراء تحقيق حول أسباب مشكلات التوريد التي تسببت في رفع الأسعار وتسببت في حدوث أزمات نقص (أعلنت اللجنة أن التحقيق «ليس له غرض محدد على صلة بإنفاذ القانون»)، وبعثت اللجنة بأوامر للحصول على معلومات من تسع شركات: «وولمارت» و«أمازون» و«كروغر» و«سي آند إس هولسيل غروسيرز» و«أسوشييتد هولسيل غروسيرز» و«مكلين» و«بروكتر آند جامبل» و«تيسون فودز» و«كرافت هاينز».
واللافت أن بعض مجموعات الأعمال رحبت بشدة بجهود لجنة التجارة الفيدرالية. من ناحيته، كتب «ائتلاف مين ستريت كمبيتيشن»، والذي تأسس في أكتوبر (تشرين الأول) ويمثل بائعي تجزئة مستقلين وصيدليات ومزارعين، إلى لجنة التجارة الفيدرالية، أن أعضاءها «يتعرضون على نحو متزايد لشروط وظروف تمييزية، بما في ذلك إجراءات التسعير والأسعار الأدنى الأقل ملاءمة، وأحياناً عدم القدرة على الوصول إلى المنتجات التي تتسم إمداداتها بالنقص ومتوافرة لدى منافسيهم».
ومن الغريب أن فئة النشاط التجاري هي الوحيدة التي لا تبلغ عن أرباح أعلى تتمثل في الشركات الصغيرة. وكشفت دراسة مسحية أُجريت في نوفمبر حول الشركات الصغيرة من جانب «الاتحاد الوطني للشركات المستقلة» أن المزيد من الشركات سجّلت أرباحاً أقل عن أعلى مستوى بهامش 17 نقطة مئوية. وتنبئ هذه الحصة بأن ارتفاع الأسعار الأخير كان الأعلى منذ عام 1979 لكنّ ذلك كان بسبب ارتفاع التكاليف.
إلا أن غرفة التجارة الأميركية في خطاب أصدرته في 15 ديسمبر قالت إن الإجراءات التي اتّخذتها خان ولجنة التجارة الفيدرالية «تتطلب زيادة اهتمام وإشراف من جانب الكونغرس». وقالت الغرفة إن الوكالة «تتجاوز حدود سلطتها التنظيمية، وتقوّض نظام القيود والتوازنات الخاص بنا، وتتجاهل الإجراءات القانونية وتتجاوز القواعد التنظيمية القائمة منذ فترة طويلة المتعلقة بتنظيم الصناعات على نطاق واسع وإدارة اقتصادنا من خلال نهج يقوم على مبدأ أن الحكومة تعرف أفضل».
من ناحية أخرى، فإن المنافسة أو عدم وجودها، ليست المعيار الوحيد لمسألة التربح. ويتمثل معيار آخر فيما إذا كان البائعون يستفيدون من وجود ضغوط هائلة -في هذه الحالة، الجائحة- لتحقيق مكاسب تجارية. جدير بالذكر في هذا الصدد أن معظم الولايات الأميركية لديها قوانين تحظر التلاعب بالأسعار من جانب تجار التجزئة خلال أوقات الأزمات، مثل سعر الخشب الرقائقي الذي يحتاج إليه الناس لتركيب واجهات لمنازلهم والمحلات قبل وقوع إعصار.
تكمن مشكلة محاولات تقييد التربح في تحديد مكان رسم الخط الفاصل. على سبيل المثال، في حين أن الاحتكار واحتكار القلة يضرّان بالمستهلكين، سيكون من غير المنطقي للجهات التنظيمية الوصول إلى منافسة كاملة مع قوة تسعير صفرية. تحاول كل شركة تمييز نفسها، لمنحها ميزة على المنافسة حتى تتمكن من فرض رسوم أكثر قليلاً. في الواقع، إن الوصول إلى المزيد من الأرباح من خلال محاولة الهروب من التسليع هو محرك الرأسمالية والابتكار.
والمعروف كذلك أن رفع الأسعار استجابةً لارتفاع الطلب يمكن أن يفيد المجتمع في ظل ظروف محددة، ذلك أنه يمنع حدوث أزمات نقص عن طريق كبح جماح الطلب ومنح المنتجين حافزاً لزيادة الإنتاج، وبذلك يجري التأكد من أن العرض المحدود يقع في أيدي أولئك الذين يقدّرونه بشدة.
* خدمة «نيويورك تايمز»