ميشال أبو نجم
TT

ستيفان دي ميستورا ما زال حيا يرزق

حسنا فعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عندما طلب علنا من الوسيط الدولي ومبعوثه الى سوريا ستيفان دي ميستورا، التركيز على إعادة إطلاق عملية سياسية لوضع حد للحرب التي أوقعت ما لا يقل عن 220 ألف قتيل، وقسمت سوريا لمناطق نفوذ بين النظام والقوى التي تقاتله من "داعش" الى "النصرة" الى الجيش السوري الحر والفصائل المقاتلة الأخرى. ذلك أن الوسيط الدولي كان قد اختفى عن الساحة، لا علم ولا خبر منذ أن تبين أن مشروعه "اليتيم" الذي طرحه وحاول التسويق له؛ أي الوصول الى هدنات محلية تبدأ من حلب وربما تنتقل لاحقا الى دمشق وتسمح بمعالجة الأوضاع الإنسانية، وتعيد وصل خيوط الحوار بين النظام ومعارضيه، لم ير النور.
دي ميستورا، بعكس من سبقه في هذه المهمة الشاقة أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي أنان والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، أراد تدشين مقاربة "جديدة" تنطلق من "تحت الى فوق"، فيما سابقاه عملا بمبدأ "من فوق الى تحت"؛ أي التوصل الى اتفاق سياسي عام بضمانات دولية ويتم فرضه ميدانيا على الأطراف المتقاتلة. والتعبير الأبرز لهذه المقاربة كان مؤتمر جنيف الأول {يونيو/حزيران 2012} وجنيف الثاني {نهاية 2013 وبداية 2014}.
تعاني الأزمة السورية اليوم من فراغ سياسي ــ دبلوماسي واضح. فالوساطة الروسية لم تأت بجديد ولا يبدو أبدا أن موسكو تحمل مشروعا جديا لحل يمكن تسويقه لدى الأطراف السورية والجهات الخارجية المعنية بالأزمة. فالاجتماعان اللذان التأما في العاصمة الروسية أفضيا الى ورقتين متشابهتين تتضمنان مبادئ عامة لا تقدم ولا تؤخر، لا بل إن مشاركين في الاجتماعين انتقدوا ما حصل في الداخل من زاوية ضعف التمثيل للأطراف الحاضرة. ويمكن وصف ما تقوم به موسكو بأنه "محاولة لملء الفراغ" وإعطاء الانطباع بأنها قادرة على التعامل مع كافة الأطراف. لكن مجريات ما حصل أظهرت أنها كانت عاجزة عن دفع النظام الذي تحميه لتمكين بعض من دعتهم للاجتماع الأخير من الوصول الى موسكو. ثم إن المنسق العام لهيئة التنسيق الوطني حمل مسؤولية الفشل لوفد النظام بسبب رفضه مناقشة وإقرار إجراءات الثقة الضرورية للسير بالعملية السياسية.
اليوم، تريد الأمم المتحدة العودة الى الساحة السورية سياسيا، بعد أن اقتصر دورها في الأشهر الأخيرة على الاهتمام بالجوانب الإنسانية وأكثرها إلحاحا الوضع في مخيم اليرموك. من هنا دعوة بان كي مون الملحة للوسيط السويدي ــ الإيطالي للسعي مجددا من أجل إطلاق عملية سياسية، بعد أن تبين أن مساعيه لتجميد القتال في حلب قد وصلت الى طريق مسدود، وأوضح للجميع بمن فيهم الروس أن العملية السياسية لا يمكن أن تنهض إلا على أساس بيان جنيف لصيف العام 2012 ؛ أي أن الوسيط الدولي مدعو للعودة الى المربع السابق والمقاربات السالفة التي فشل في إنفاذها كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي. ولذا، فالسؤال المطروح اليوم هو: هل الظروف الداخلية والخارجية نضجت بما فيه الكفاية للسير بحل سياسي؟
ثلاث ملاحظات أساسية تفرض نفسها: الأولى، أن ما اعتبره النظام من "انتصارات" حققتها قواته بدعم من إيران وحزب الله وميليشيات عراقية وغيرها ليس سوى فصول في عمليات كر وفر وبالتالي لا يمكن اعتبارها نهائية، وبالتالي لا أحد يتوقع له ان يتمكن من إعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية. والثانية أن تعويل النظام على الحرب على الإرهاب من أجل إعادة تعويم نفسه ودفع الغربيين الى العودة للتعامل معه باعتباره "ضروريا" لإنجاح المعركة ضد "داعش" لم يعينه، حتى الآن، بشيء ليتمكن من القول إن مرحلة الخطر أصبحت وراءه. والثالثة أن تشظي المعارضات إيديولوجيا وعسكريا وسياسيا يمنعها من ان تطرح نفسها بديلا عن النظام. والسيناريو الذي تتجه إليه سوريا على الأرجح هو تشرذمها الى أربعة "كيانات" : خلافة "داعش" في الشمال الشرقي، وإمارة النصرة في الشمال الغربي، وكردستان سوري في مناطق الأكراد، وأخيرا منطقة النظام الممتدة من جنوب دمشق الى حماه فالمنطقة الساحلية مع وجود ضعيف لما تبقى من المعارضة في الجنوب السوري.
ثمة اتفاق واسع بين المهتمين بالشأن السوري على أن فشل مؤتمر جنيف 2 مرده لرفض رأس النظام السير بحل سياسي وتعويله على الحسم العسكري وعلى دوام الدعم الخارجي، وخصوصا الإيراني والروسي. ومن الناحية النظرية، كان يتعين توقع أن يساهم التوصل بداية هذا الشهر الى اتفاق ــ إطار بين الستة الكبار وإيران حول برنامج طهران النووي في "ترطيب" الأجواء ودفع إيران الى "التعاون" في المسائل الملتهبة في الشرق الأوسط بما فيها الملف السوري. والحال، ان حالة "الاسترخاء" المنتظرة لم تحل بعد، لا بل إن العكس هو الحاصل كما يظهر ذلك في اليمن؛ حيث التصعيد على أشده. وإذا اعتبرنا أن اليمن هو "الباروميتر"، فالواضح أنه لا يتعين توقع أي شيء إيجابيا من الجهود التي سيباشرها الوسيط الدولي دي ميستورا في مايو (أيار) أو يونيو، وفق ما نقله مقربون منه. وهذه المرة يريد دي ميستورا محاولة بناء تفاهم خارجي على أساس أرضية مشتركة بين الدول المعنية مباشرة بالنزاع بموازاة محاولات لدى الأطراف السورية نفسها.
ينبئ هذا التطور بأمرين؛ أحدهما إيجابي ومفاده أن دي ميستورا ما زال يتحرك على الساحة بعد ان راجت شائعات تتحدث عن رغبته هو الآخر في التنحي عقب عجزه عن تحقيق أي إنجاز ولو كان بسيطا. أما الثاني، فهو سلبي إذ أن الوسيط الدولي يعود للسير في خطى من سبقه. والحال أن هذه الخطى أفضت الى طريق مسدود. يضاف الى ذلك أن الوضع اليوم أكثر تعقيدا مما كان عليه العام الماضي عند انعقاد جنيف 2 أو لدى صدور بيان جنيف واحد. ولذا لن يكون مفاجئا أن يدور دي ميستورا عدة دورات ليرى أن الأزمة ما زالت تراوح مكانها، وأن السنوات الأربع المنقضية على اشتعالها حتى الآن ليست كافية لدفع الأفرقاء المتصارعين في الداخل والخارج للبحث جديا عن تسوية.