ديفيد فيكلينغ
TT

«أوميكرون»... براعة جديدة للفيروس

هناك حتمية قاتمة لحقيقة أن السلالة الأخيرة من فيروس «كوفيد 19» المعروفة باسم «B.1.1.529»، التي يطلق عليها الآن اسم متحور «أوميكرون 1»، قد اكتشفت للمرة الأولى في جنوب أفريقيا.
ظهرت التأثيرات الأكثر تدميراً لفيروس «SARS - CoV – 2» حتى الآن في البلدان المتقدمة. وشكلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو ثلث الوفيات، مقارنة بنحو 10 في المائة من سكان العالم. ومع ذلك، فقد تم عزل وتحليل حصة ضخمة من المتغيرات الجديدة المثيرة للقلق لأول مرة في «مجموعة بريكس» للدول ذات الدخل المتوسط سريعة النمو. من السلالة الأصلية في الصين، إلى سلالة «دلتا» التي تم رصدها في الهند، وسلالة «جاما» المعزولة في البرازيل وسلالات بيتا وأحدث السلالات «أوميكرون» في جنوب أفريقيا، ظهر فقط متغير «ألفا» المرتبط بالمملكة المتحدة خارج هذه البلدان.
هذا مجرد انعكاس لحقيقة أن شخصين من كل خمسة أشخاص على كوكب الأرض يعيشان في إحدى دول «البريكس». كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن المتغيرات الجديدة تم تحديدها لأول مرة في البلدان ذات البنية التحتية العلمية المتطورة اللازمة لاكتشافها. تعد دول «البريكس» من أكبر اللاعبين في السوق العالمية للأدوية الجينية، وقد لعبت دول مثل الهند وجنوب أفريقيا دوراً رئيسياً في المناقشات حول إعفاءات الملكية الفكرية لزيادة القدرة على الوصول إلى الأدوية.
في هذه المرحلة، رغم ذلك، قد يكون العامل الحاسم هو حقيقة أن البلدان الأكثر ثراء يجري تلقيحها الآن بشكل كبير لدرجة أن فرص الفيروس في عمل طفرات جديدة محدودة بشكل متزايد. فالدول التي بها أكبر عدد من المواطنين غير الملقحين والمعرضين للإصابة هي تلك التي تزداد فيها احتمالات أن يجد فيروس «SARS - CoV – 2» طريقة جديدة لاختراق الحواجز التي وضعناها في طريقه.
وبحسب إيان ماكاي، الأستاذ المشارك في علم الفيروسات بجامعة كوينزلاند، فإن «الهروب من المناعة أمر تفعله الفيروسات بمهارة كبيرة. إذا كان هناك الكثير من المجموعات السكانية التي لا تزال عرضة للإصابة، فنحن في نفس نوع الدائرة المفرغة التي كنا فيها من قبل».
من السابق لأوانه معرفة الكثير عن كيفية تأثير الإصدار الأخير على الأشخاص. فأحد الجوانب المقلقة هو العدد الكبير جداً من الطفرات، لا سيما في جوانب الجينوم التي تؤثر على قدرة الفيروس على نقل نفسه للآخرين أو محاربة الاستجابات المناعية للجسم. وهذا يثير احتمالية أنه يمكن، كما هو الحال مع متحور «دلتا»، أن ينتشر بسرعة أكبر بين السكان غير المناعيين، أو حتى اختراق الحماية لأولئك الذين أصيبوا بالفعل أو تم تطعيمهم.
في الوقت نفسه، يعني التنوع الهائل للطفرات أنه سيكون من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه التغييرات ستضخم أو تلغي بعضها حتى نتمكن من مراقبة التقدم الأخير للمتغير في البشر، بحسب ماكاي.
رغم ذلك، لا نحتاج إلى إجابة عن هذه الأسئلة لمعرفة الخطأ الذي يرتكبه العالم الغني بالفعل في علاج «كوفيد 19» باعتباره أحد مسببات الأمراض التي هُزمت بالفعل بسبب معدلات التغطية العالية للقاح. ورغم أن دولاً مثل الصين، واليابان، وفرنسا، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية، وكندا يمكن أن تتباهى بأن ثلاثة أرباع سكانها قد تم تحصينهم بالكامل، فإن 110 دول من 200 دولة ومنطقة تمتلك وكالة أنباء «بلومبرغ» بيانات عنها لا تتعدى نسب تحصينها 50 في المائة (الولايات المتحدة، بنسبة 59 في المائة، لديها واحد من أسوأ السجلات في العالم المتقدم). من هذا العدد، هناك 64 دولة لم تصل حتى إلى 25 في المائة، بما في ذلك جنوب أفريقيا نفسها. الهند بنسبة 31 في المائة، وروسيا 37 في المائة ليستا أفضل حالاً. ومن بين 37 دولة بها أقل من 10 في المائة حماية، هناك 32 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء.
هذه الفجوة المتزايدة مدفوعة بالوتيرة البطيئة التي تشارك بها شركات الأدوية في الدول الغنية حيث تم تطوير الأدوية، ملكيتها الفكرية مع منتجي الأدوية الجينية في الاقتصادات الناشئة. فرغم أن قرار الولايات المتحدة في مايو (أيار) بالتنازل عن قواعد الملكية الفكرية لأدوية «كوفيد19» كان خطوة رئيسية نحو معالجة هذه المشكلة، فقد فشلت المعارضة الأوروبية وعدم وجود إكراه من الحكومات في إحداث التغيير المطلوب لزيادة الإمدادات.
كتب رؤساء منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في رسالة مفتوحة إلى قادة مجموعة العشرين، الشهر الماضي، إن «الفجوة الحالية في التكافؤ في اللقاحات بين البلدان الأكثر ثراء والبلدان ذات الموارد المنخفضة تُظهر تجاهلاً لحياة أشد الناس فقراً وضعفاً في العالم. فعدم المساواة في اللقاحات يكلف الكثير من الأرواح كل يوم، ويستمر في تعريض الجميع للخطر».
مع ارتفاع المناعة الطبيعية والمناعة من اللقاحات، يجب أن يصبح التطور الفيروسي أكثر براعة للتهرب من دفاعاتنا. وحتى الآن، بالكاد حصل أكثر من نصف سكان العالم على جرعة من لقاح «كوفيد». وهذا يعني أنه لا يزال هناك أكثر من 3.4 مليار شخص يمكن للفيروس أن يتعامل مع أجسادهم كمختبرات لتطوير طفرات جديدة. وإلى أن نخفض هذا الرقم، فإن الاحتمالات لا تكون في مصلحتنا بنفس القوة التي نرغب في تصورها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»