غريغ وينر
TT

الديمقراطيون و«المفهوم الماديسوني»

إذا كان التقدميون المحبطون يبحثون عن ديمقراطي يلومونه، فعليهم أن يفكروا في توجيه غضبهم نحو أحد مؤسسي حزبهم: جيمس ماديسون. لقد وضع دستور ماديسون لإحباط بالضبط ما كان يحاول الديمقراطيون القيام به: سباق مع الزمن لفرض سياسات واسعة النطاق بأغلبية ضئيلة. ويعتقد ماديسون أن إحدى الوظائف المهمة في الدستور تتلخص في ضمان استمرار الإجماع قبل أن تكون الغلبة للأغلبية الشعبية.
يمثل الديمقراطيون أغلبية شعبية الآن. ولكن ماديسون يرى أن «الآن» هي المشكلة: وكان أقل اهتماماً باللقطة الزمنية في الزمن الدستوري من تلك التي تصور أن الأغلبية قد تماسكت صفوفها. وكلما كانت رغبات الأغلبية أكثر أهمية، حسب معتقد ماديسون، كلما طالت فترة التماسك. وعليه، فإن خطة «إعادة البناء» الضخمة تثير مسألة تاريخية صعبة: هل تكفي الأغلبية العابرة والضيقة لصنع التاريخ؟
على هذا النحو الذي يتسم به مفهوم «الماديسوني»، يتداعى الديمقراطيون بكل ثوابتهم. وحتى عندما أعلن الرئيس بايدن عن خفض خطة الإنفاق، فقد وصف هذا التدبير مراراً وتكراراً بأنه «تاريخي». ففي أقل من أربع مرات في بيان واحد، وصف البيت الأبيض عناصر إطار البناء الأفضل باعتبارها الإبداعات السياسية الأكثر أهمية عبر «الأجيال». ووصفت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، مشروع القانون الذي أقره المجلس الأسبوع الماضي بأنه «تاريخي، وتحولي، وأكبر من أي شيء قمنا به من قبل».
قبل اقتطاع الخطة من سعرها الأصلي الذي بلغ 3.5 تريليون دولار، كانت الأوصاف الديمقراطية لها أكثر تعظيماً. وقد وصف عضو مجلس الشيوخ تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية، اقتراح الحزب الأولي بأنه أهم تشريع لتوسيع دعم الأسر الأميركية منذ عهد الصفقة الجديدة والمجتمع العظيم. وإن لم تكن خطة بايدن قد بلغت نطاق روزفلت بالكامل، فمن المؤكد أنها قريبة منه. وقالت السيدة بيلوسي إن التشريع سوف «يترسخ لأجيال إلى جانب الصفقة الجديدة والمجتمع العظيم بوصفهما دعامتين للأمن الاقتصادي للأسر العاملة».
قد يتساءل ماديسون لماذا ينبغي سن التشريعات التي قد تصلح لأجيال متعددة في غضون عدة أشهر. الإجابة العملية بطبيعة الحال هي أن الديمقراطيين قد يخسرون أغلبيتهم في مجلسي النواب والشيوخ في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ولكن هذا جزء من المشكلة. فقد مرر الرئيسان فرانكلين روزفلت وليندون جونسون «الصفقة الجديدة» و«المجتمع العظيم» بأغلبية تشريعية هائلة وذات قاعدة عريضة. وكانت هذه السياسات شعبية إلى الحد الذي جعلها تلقى على الأقل بعض الدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي سوياً.
هناك سبب يجعل ماديسون يعتقد أنه يجب أن تسير الأمور على هذا النحو. وفي تقييمه للرأي العام، اعتبر فرقين ضروريين. الأول: ما إذا كانت آراء الجمهور تستند إلى العقل أو العاطفة. والثاني: ما إذا كانت الآراء محسومة أم متذبذبة.
وفقاً لعلم النفس السياسي لدى ماديسون، المشاعر بطبيعتها قصيرة الأجل. ولهذا السبب كان بوسعه أن يقول في كتابه «الفيدرالية 10» إن الفصائل لن تتغلب على الجمهورية الكبيرة جغرافياً: ففي الوقت الذي يستغرقونه في الانتشار، سوف تهدأ المشاعر وتتبدد. وعلى النقيض من هذا، فالآراء القائمة على العقل قادرة على الصمود أمام اختبار الزمن.
لخص ماديسون نظريته في الديمقراطية في «الفيدرالية 63»، التي تتعلق بالدور الفريد الذي يلعبه مجلس الشيوخ في كبح جماح الأغلبية المندفعة. فقد افترض أن «الحس الهادئ المتأني الذي يتمتع به المجتمع لا بد أن تكون له الغلبة في كل الحكومات، بل وفي كل الحكومات الحرة في نهاية المطاف، ضد وجهات نظر حكامها»، تماماً كما قد تمر لحظات غير عادية حين ينجرف الناس إلى اتخاذ تدابير عاطفية، ثم سوف يصبحون هم أنفسهم بعد ذلك أكثر استعداداً للانتقاد والإدانة».
الحقيقة الأكثر أهمية في هذا السياق هي أن حكم الأغلبية يعد فكرة جيدة وحتمية في آن واحد: فالرأي العام «لا بد» و«سوف» يفوز في الجمهورية. ولكن من الأهمية بمكان أن يفعل هذا «في نهاية المطاف» وليس فوراً. كان أحد الأهداف الأصلية لفترة ولاية مجلس الشيوخ المقدرة بست سنوات منح أعضاءه وقتاً بين الانتخابات لمقاومة الرأي العام. وتتطلب مختلف الساعات الانتخابية بالنسبة للنواب والرؤساء وأعضاء مجلس الشيوخ أن يتماسك الرأي العام.
في عام 1791، ومع بدء العمل بالدستور الجديد وظهور التحالفات الحزبية الوليدة، كتب ماديسون في مقال صحافي أن الحكومة مدينة باحترام الرأي العام فقط عندما يكون «ثابتاً» وليس «متقلباً»: «هذا التمييز، إذا بقي في الاعتبار، سوف يمنع أو يقرر مناقشات كثيرة حول الاحترام الواجب من الحكومة لمشاعر الشعب».
من الصعب الوقوف على حالة في التاريخ الأميركي للرأي العام العريض المستدام الذي لم يثبت نفسه في السياسات العامة في خاتمة المطاف. لقد واجه الأميركيون الإحباط أو الإرجاء فيما يتصل بأفكار مبهمة مثل توسيع القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية. ولكنهم أيضاً اختلفوا بعمق حول الشكل الذي ينبغي أن تتخذه هذه الأفكار بشكل ملموس. وعندما يستقر الأميركيون على إجماع دائم حول التفاصيل، فإنهم يفرضون سيطرتهم على الأمور في كل الأحوال تقريباً.
ومن بين السبل التي يستطيع بها أنصار سياسات بعينها تشجيع التوصل إلى الإجماع، اللجوء إلى الرأي العام. ولكن ماديسون يرى أن النظام الدستوري يحكم على الأغلبية بقدرتها على الاستمرارية. والواقع أن مشروع القانون الذي يبلغ حجمه ما يقرب من 2 تريليون دولار، والذي يعمل على تغيير العلاقات بين الحكومة والمحكومين بشكل جوهري، حتى ولو كان ذلك بطرق بناءة ومطلوبة، لا بد أن يظهر دعماً مستمراً وواسع النطاق. أما مجلس الشيوخ المقيد ومجلس النواب شبه المقيد، اللذان يتصرفان في غضون أشهر، ليس بوسعهما البرهنة على هذا الدعم، وفقاً لشروط ماديسون.
ولا ينبغي لنا أن نحمل الديمقراطيين المسؤولية عن فشلهم في اجتذاب الدعم من الجمهوريين. فعلى الأقل منذ تولى الديمقراطيون مجلس النواب في عام 2018، ولفترة أطول، كان الجمهوريون غير متعاونين على نحو جازم وغير مهتمين بالتشريع.

* خدمة «نيويورك تايمز»