بيتر بينارت
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

بايدن بين معاداة الصين وكسبها

كان تصميم التكتيكات رائعاً. إذ أمضى الرئيس بايدن الأشهر التسعة الأولى في منصبه محاولاً كسب النفوذ على الصين: لقد أصلح النزاعات التجارية مع حلفاء الولايات المتحدة. واستضاف أول اجتماع شخصي على الإطلاق لزعماء المجموعة «الرباعية»، التي أسست لعلاقات أكثر عمقاً بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، والواقعة جميعها على هامش القوة الصينية. وأقنع حلف شمال الأطلسي بوصف الصين بأنها تشكل تحدياً «لأمن الحلف» للمرة الأولى في تاريخه. كما دفع الكونغرس على إنفاق تريليون دولار لإعادة بناء البنية التحتية في الولايات المتحدة، وهو ما وصفه جزئياً كوسيلة لمواجهة الصين. ثم في وقت سابق، وفي اليوم نفسه الذي وقع فيه على مشروع قانون البنية التحتية، عقد أول اجتماع رسمي له مع الرئيس شي جينبينغ. وكانت الرسالة واضحة: سوف تعمل الولايات المتحدة مع الصين لمواجهة التحديات المشتركة بينما تتنافس من موقع القوة.
الاستراتيجية واضحة، التنفيذ - مع بعض العثرات الجانبية - المثير للإعجاب. ولكن هناك مشكلة واحدة: أن السيد بايدن يحاول أن يحقق نجاحاً باهراً على كلا الاتجاهين. ويصر مساعدوه على عدم وجود أي نوع من المفاضلة بين التعامل مع الصين كخصم وكشريك. أو على حد تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية: «نستطيع أن نمشي ونمضغ العلكة في الوقت نفسه». وهذا تفكير قائم على التمني؛ إذ يتصادم الهدفان. وعلى الرغم من كل الحديث الأخير الدائر عن علاقات أفضل بين واشنطن وبكين، لا تزال إدارة بايدن لا تمنح الأولوية للتعاون - على الرغم من أنه فقط من خلال التعاون الأعمق بكثير يمكن للولايات المتحدة معالجة أكثر ما يحدق بالأميركيين من تهديدات.
لنأخذ تغير المناخ مثالاً، الخطر الأكبر للمدى البعيد على الحياة في الولايات المتحدة - وفي كل مكان آخر. يجب أن يكون إدارة بايدن على رأس أولوياتها عندما يتعلق الأمر بالصين. لكنه ليس كذلك. فإن الوثيقة كانت أضعف من البيان المشترك الذي وقعته الحكومتان قبل سبع سنوات، قبل أن تغرق العلاقات الأميركية - الصينية إلى القاع.
فضلاً عن ذلك، فإن الخط المتشدد الذي تتبناه واشنطن في التعامل مع الصين يعمل على تقويض جهود مكافحة كارثة المناخ بطرق أقل وضوحاً. ولخفض الانبعاثات الكربونية يتعين على الولايات المتحدة التحول سريعاً إلى مصادر طاقة أنظف مثل الطاقة الشمسية. أرخص مكان للحصول على الخلايا الشمسية هو الصين. لكن إدارة بايدن دافعت عن الرسوم التي فرضتها إدارة ترمب على التكنولوجيا الشمسية. ويوجد مقر بعض منتجي الطاقة الشمسية الصينيين في إقليم شينغيانغ، حيث تقمع بكين بشكل وحشي طائفة الأويغور وغيرهم من المسلمين، وبالتالي، فإنهم يخضعون للعقوبات الأميركية بسبب استخدامهم للعمالة القسرية. ولكن رسوم الطاقة الشمسية لا تقتصر على شينغيانغ. لماذا؟ لأن فريق بايدن يريد إضعاف قبضة الصين على الصناعة الثمينة. لكن عبر القيام بذلك، يصبح الأمر أكثر تكلفة بالنسبة للأميركيين في مجال الطاقة الشمسية، وهو ما يؤدي إلى تأخير تحول الولايات المتحدة بعيداً عن الوقود الأحفوري.
ولا يتعلق الأمر بالألواح الشمسية فقط. إن كثيراً من التقنيات الخضراء سوف تتقدم بسرعة أكبر إذا تعاون الباحثون الأميركيون والصينيون. لكن إدارة بايدن أبقت على القيود المفروضة على تأشيرات الدخول منذ إدارة ترمب، والتي تمنع الطلاب الذين يدرسون في جامعات صينية ذات الروابط العسكرية من مباشرة الدراسات العليا في الولايات المتحدة - حتى لو لم يكن هناك دليل على أن هؤلاء الطلاب عملوا مع الجيش الصيني نفسه. وتعمل إدارة بايدن على مواجهة برنامج الحزام والطريق العملاق، والبنية التحتية للطرق في الصين، في الوقت الذي تستطيع فيه القوتان العظميان مكافحة الاحترار العالمي بفاعلية أكبر من خلال التمويل المشترك للطاقة النظيفة في البلدان الفقيرة. وبتصوير الصين على أنها تهديد، فإن بايدن يبرر زيادة ميزانية وزارة الدفاع، التي، وبالنظر إلى وضع الجيش الأميركي بأنه أكبر منتج مؤسسي للغازات الدفيئة في العالم، فإن ذلك يشكل كارثة مناخية في حد ذاته.
إذا شكل تغير المناخ أكبر تهديد أمني يواجه الولايات المتحدة، تأتي أوبئة مثل «كوفيد» - الذي قتل من الأميركيين أكثر من الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحربين في فيتنام وكوريا معاً - في المرتبة الثانية. هناك أدلة وافرة على أن التعاون الأميركي - الصيني في مجال الصحة العامة ينقذ حياة الأميركيين. وفي عام 2004، ساعدت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الصين في بناء نظام لمراقبة الإنفلونزا، الذي أثبت أهميته البالغة في احتواء (إنفلونزا H1N1) في عام 2009، و(إنفلونزا H7N9) في عام 2013. وذهب خبراء الصحة العامة الأميركيين للعمل داخل مقر العاصمة الصينية، ما أعطى الولايات المتحدة رؤية أعمق حول التفشي المحتمل للمرض في الصين. وفي عام 2016، اتفقت واشنطن وبكين على تمويل نظام مراقبة مشترك في أفريقيا لمساعدة حكومات القارة على مكافحة فيروسات مثل الإيبولا بشكل أفضل.
قد يبدو هذا التعاون خيالاً الآن بالنظر إلى الاختلاف الحاد بين واشنطن وبكين حول القضايا من تايوان وحتى بحر الصين الجنوبي، إلى سجل الصين البغيض في مجال حقوق الإنسان. ولكن هذه الخلافات كانت قائمة عندما تولى جورج دبليو بوش وباراك أوباما منصبيهما أيضاً، ورغم ذلك، رفعا مستوى التعاون في مجال الصحة العامة. ويمكن القيام بذلك لأن العلاقات الأميركية - الصينية كانت أقل عدائية بصفة عامة. لقد كان دونالد ترمب هو الذي سحب المسؤولين الطبيين والعلميين الأميركيين من الصين، ومن ثم استخدم وباء كورونا كفرصة لمزيد من قطع العلاقات. ومن خلال إعلان أحد كبار مساعدي السيد بايدن في الصين أن «الفترة التي تم وصفها على نطاق واسع بأنها المشاركة قد انتهت»، أشارت هذه الإدارة إلى أنها لا تعتبر العودة إلى مستويات التعاون الصحي لما قبل ترمب أمراً ممكناً، أو حتى مرغوباً فيه. هذا بالضبط هو الرد الخاطئ على الوباء الذي نشأ في الصين وقتل ثلاثة أرباع مليون مواطن أميركي.
يستحق بايدن التقدير لمحاولته تأسيس «حاجز الحماية» للحيلولة دون اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة والصين. لكن الحواجز ليست كافية. فالحقائق المزعجة لعالم اليوم تتطلب تعاوناً أكبر بكثير بين واشنطن وبكين. كما أن هذا التعاون الأكبر لا يتوافق مع تنامي العداء، لأنه كما كتب أكثر من 200 خبير في العلاقات الأميركية - الصينية في رسالة عامة عام 2019، بينما هناك شخصيات في الصين تدعم العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، «فإن موقف واشنطن العدائي تجاه بكين يُضعف تأثير تلك الأصوات لصالح القوميين الجادين».
إن إدارة بايدن لا تستطيع أن تتحمل تفريق الصقور الذين يريدون التعامل مع الصين باعتبارها عدواً، في حين يسعى التقدميون اليائسون إلى اتخاذ إجراءات درامية لمنع الكوارث المناخية وكارثة الصحة العامة. بل يتعين على الإدارة أن تختار أكثر ما تقدر قيمته. والتظاهر بعدم الاختيار خيار أيضاً.
* خدمة «نيويورك تايمز»