هالة محمد جابر الأنصاري
- الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة في البحرين
TT

48 ساعة في حضرة «الرؤية»!

الزيارة الأخيرة للمملكة العربية السعودية الشقيقة (8 – 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) بدعوة كريمة من معهد الإدارة العامة بمناسبة إنشاء مركز معني بالتوازن بين الجنسين في إطار التمكين الوظيفي، برئاسة المتألقة الدكتورة سارة بنت جزاء العتيبي، وبدعم كبير من الدكتور بندر بن أسعد السجان المدير العام للمعهد، لم تكن كغيرها من زيارات العمل المعتادة التي تنتهي، في أغلب الأحيان، بالتمنيات والتوصيات، بل كانت بحسب خلاصتها، خطة عمل لتعاون مشترك لتبادل الخبرات النوعية، وتبدأ بمشروع نقل خبرة مملكة البحرين في مجال إدماج احتياجات المرأة في السياق التنموي بعملياته الواسعة، وما تم الأخذ به من سبل عدة تحت مظلة النموذج البحريني للتوازن بين الجنسين الذي يهدف في محصلته النهائية لقياس أثر السياسات والخطط المخصصة لرفع مشاركة المرأة في البناء الوطني وجدوى ذلك وانعكاسه واقعياً على تحسن مستويات الأداء العام... كماً ونوعاً.
الأمر المختلف في هذا التعاون، من وجهة نظرنا، وبحسب ما رصدناه من مشاهدات أولية، ضمن سلسلة النقاشات، كفريق زائر من مملكة البحرين جاء ممثلاً للمجلس الأعلى للمرأة، هو درجة الاستعداد العالية، مهارياً ومعرفياً، والحماسة اللافتة لفريق العمل السعودي، بنسيجه المتنوع، التي تجسدت أمامنا منذ اللحظات الأولى، والمتمثلة في الفهم العميق والدراية الواسعة لمتطلبات المرحلة القادمة والإلمام بالتفاصيل ودقائق الأمور لمعالجة التحديات المطروحة بشجاعة وثقة، وهو وضوح نابع من رؤية شاملة لوطن طموح... يستمد ذخيرته من حيوية مجتمع مستقر وآمن ينعم أفراده - رجاله ونساؤه - بالرفاه الاقتصادي والثراء المعرفي والإقدام على التجديد.
ولنا وقفة هنا، أمام «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» التي تمضي بعزم في عامها السابع، منذ أن انطلقت بكل ما حملته من آمال وطموحات وغايات وأهداف لتأصيل نموذجها الرائد عالمياً، لنسجل انطباعاتنا حول واقع المرأة السعودية ودورها المتجدد، وهي تحتل قلب برامج «الرؤية»... كعنصر من عناصر قوتها ومصدر من مصادر ثرائها:
1 - استطاعت «الرؤية» بتوجهاتها الصريحة نحو تمكين المرأة السعودية أن تضع يدها على مواطن التطوير مقدمة لذلك حلولاً شمولية، تستند فيها إلى الخبرة المكتسبة للمرأة ثقافياً ومهنياً وأكاديمياً، وتعيد التأكيد على وقوف القرار السياسي إلى جانب انخراطها في الحياة العامة وفي الشأن التنموي، لتشغل اليوم مناصب رفيعة كمساعد لرئيس مجلس الشورى، ونائب وزير، وسفيرة وغيرها من العضويات في المجالس المختلفة، هذا إلى جانب طرح العديد من المبادرات الطموحة المخصصة التي أسهمت في رفع نسبة العاملات في القطاع الحكومي (من 38 في المائة إلى 55 في المائة) وتحديداً في الوظائف التنفيذية (من 12 في المائة إلى 46 في المائة) مع ارتفاع مماثل لنسبها في القطاع الخاص (من 24 في المائة إلى 35 في المائة) بحسب أحدث الإحصاءات، بما أسهم في التطور الملحوظ على مستويات التنافسية الوطنية كما توضحها مؤشرات سعودة الوظائف.
2 - نجاح «الرؤية» في وضع الإطار العام لمأسسة العمل الموجه لدعم تقدم المرأة السعودية لضمان استدامته، وبما يمكّن كافة مؤسسات الدولة من ترجمة المأمول، الكل بحسب اختصاصه تشريعياً كان أو تنفيذياً، خصوصاً ما تعلق بمشاركتها في سوق العمل وتمكينها من كافة حقوقها الاجتماعية والاقتصادية وصولاً إلى استفادتها الكاملة من خدمات الدولة. ويستوقفني في هذا السياق الحراك الكبير للمرأة في السلطة التشريعية ضمن اللجان ذات العلاقة بحقوق الإنسان ومكافحة الفساد والاتفاقيات الدولية، وما لذلك من تأثير مباشر على تصنيف المملكة في تلك المجالات، بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ لأعداد المحاميات والعاملات في المؤسسات العدلية والعسكرية والأمنية. ولا نستطيع أن نغفل هنا، التأثير الكبير الذي رافق منح المرأة استقلالية التقدم للعديد من الخدمات والنشاطات، كالعمل التجاري، إذ زادت حصة امتلاكها للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من 22 في المائة إلى 38 في المائة.
3 - تنشيط «الرؤية» لجوانب الابتكار والإبداع بتكثيف البرامج التي تؤهل لذلك، وفتح مسارات جديدة لعمل المرأة السعودية في القطاعات الحيوية للاقتصاد الوطني، كالقطاع الصناعي بفرصه المتنوعة، وهو ما حدا بالشركة العملاقة للطاقة (أرامكو) بأن تكون في مقدمة المؤسسات الساعية لهدف سد الفجوة بين الجنسين لتزداد نسبة توظيف المرأة فيها إلى أكثر من 20 في المائة من إجمالي التعيينات الجديدة بحسب آخر الإحصاءات المتاحة. ولربما من أهم ما يرصد في الآونة الأخيرة هو مؤشر انخفاض الباحثات عن عمل من 12 في المائة إلى 7 في المائة، واستقطاب مؤسسات العمل الحر والقطاع الخاص للكفاءات النسائية.
ورجوعاً لما شهدناه من حماسة وتطلع لتحويل رؤية المملكة للمستقبل إلى واقع نابض بالحياة، نجد أن المرأة السعودية تحظى بثقة وقناعة لا تخطئها العين، للرجل السعودي، الذي يقف بجانبها ويؤمن بشراكتها، ويعمل معها من أجل ذلك التوازن المنطقي والطبيعي القائم على عدالة إتاحة الفرص حيث تتساوى مع الرجل في اتخاذ قرار الإسهام في بناء الحاضر ورسم مستقبل وطنها. وهذا بحد ذاته، وبحسب تجربة مملكة البحرين، يمثل ركيزة أساسية وعنصر استقرار لديمومة مشاركة المرأة في مسيرة التقدم الوطني التي تعتمد على وعي المجتمع بالدرجة الأولى إلى جانب ما تحفظه لها الدولة من حقوق ضمن منظومتها ومؤسساتها الدستورية، حيث لا حياد عن إنفاذ تلك الحقوق من دون إنقاص أو تمييز.
وتمثل التجربة السعودية المليئة بالإنجازات وقصص النجاح والإصرار على التجديد مصدراً مهماً لتجارب المنطقة، ومدخلاً جديداً لمعالجات مطلوبة للعديد من القضايا التي تتناول شأن المرأة وسبل الارتقاء بمكانتها، تصحيحاً لصورتها وإيصالاً لصوتها بثقة ترافقها الشفافية والمسؤولية والاستقلالية والاعتزاز بالثوابت الوطنية... في عالم لا يسمع ولا يفهم إلا لغة الحسم.
* أمين عام المجلس الأعلى للمرأة - مملكة البحرين