ستيفن ميهم
TT

بين العملات المحلية ونظيرتها المشفرة... تاريخ مثير للخلافات

إلى الجيش سريع النمو من المؤمنين بالعملات المشفرة، من مات ديمون إلى جاك عبر منصة «تويتر»، نحن بصدد عصر جديد. لكن رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، غاري جينسلر، يرى شيئاً مختلفاً تماماً، فهو يرى ذلك «الغرب المتوحش» لخلق النقود، التي تحتاج بصورة عاجلة إلى حملة صارمة.
في ظل وجود المليارات على المحك، يمتلك المستثمرون الأقوياء قدراً كبيراً منها، إذن مَن صاحب اليد العليا هنا؟ من حيث التاريخ العالمي، من الواضح أن الحكومات الوطنية لم تُهزم في العصر الحديث.
يمكن سرد قصة المال بعدة طرق، لكن الصراع الدائم هو الصراع حول مَن هو صاحب الحق في كسب المال على وجه التحديد؟ فطوال غالبية فترات التاريخ البشري، غالباً ما طالبت الحكومات بجميع أنواعها بهذا الامتياز، بينما تتسامح مع المنافسة التي تأتي على شكل عملات معدنية من بلدان أخرى، ورموز خاصة وأشكال أخرى من العملات.
لكن تلك الحال تغيرت في أواخر القرن الثامن عشر عندما سار صعود الدول القومية الحديثة جنباً إلى جنب مع احتكار المال. وبغضّ النظر عن مدى جودة أداء العملات الخاصة لعملها، فإنها تقريباً تتعارض مع السلطات.
كان نضال بريطانيا مرتبطاً بالوقت. كانت العملات المعدنية المسكوكة من قبل الحكومة مصنوعة في الغالب من الذهب والفضة، وهي ذات قيمة كبيرة بالنسبة للمعاملات الصغيرة. وبحسب المؤرخ النقدي جورج سيلجين، في كتابه «المال الجيد»، اشترى أصحاب المصانع والشركات «الرموز التجارية» المصنوعة من النحاس لدفع الأجور وإحداث التغيير للعملاء. وبمجرد تداولها، استخدمها العمال لشراء الشراب والخبز وغيرهما من الضروريات.
كان المعلقون البارزون في لندن أقل إثارة؛ حيث بدوا مثل منتقدي العملات المشفرة اليوم. وبحسب إحدى الصحف، فإن «الضرر البسيط لجميع هذه الرموز هو أنها أموال سيئة، عملة مغشوشة صُنعت من باب التجارة والربح».
احتوت الحجج ضد الرموز الخاصة على قدر من الغضب أكثر من العقل، لكن ذلك كان خارج نطاق الموضوع. إذا كانت العملات المعدنية هي مجال الملكية، فسيتعين على سكّ العملات الخاصة أن تذهب، فقد حظر البرلمان الرموز بحلول عام 1817. فقد كان تداول العملات المعدنية جريمة، فما بالك بسكها.
كانت الدول أبطأ في التعامل مع تهديد آخر يشبه العملة المشفرة، هو تهديد العملات الأجنبية التي يجري تداولها داخل حدودها، وتتنافس مع قضايا سك العملة الوطنية الخاصة بها. وكان من أهم هذه «القطع الثماني» الإسبانية والمكسيكية، التي تم تداولها من نيويورك إلى الصين. في البداية، تحملت بريطانيا العظمى والولايات المتحدة تداولهما، لكنهما في النهاية ابتكرتا عملات معدنية ذات قيم أكبر من الفضة نفسها. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فقدت العملات المعدنية وضعها القانوني. وتم منح المواطنين 4 سنوات لاستبدال عملات نحاسية سكتها الحكومة بالأموال الأجنبية. وفي عام 1861 اختفت إلى حد كبير من التداول.
كانت العملات الأجنبية أحد العوائق أمام السيطرة الكاملة على العملة، وأوراق البنكنوت الخاصة كانت عائقاً آخر. هذه القضية لها تاريخ مثير للاهتمام، خاصة في الولايات المتحدة، وهو التاريخ الذي استند إليه جينسلر من «لجنة الأوراق المالية والبورصات» عندما شبّه جنون العملات المشفرة بعصر ما قبل الحرب الأهلية في «الخدمات المصرفية المجانية»، عندما سقطت الحواجز أمام الدخول، وبدأت البنوك في التكاثر. بدأ مئات ثم آلاف البنوك في إصدار عملات من تصميمها الخاص.
كان التزوير مشكلة، ورفضت بعض البنوك الوفاء بوعودها في أوقات الضائقة المالية. وتم تداول كثير من العملات بخصومات صغيرة اعتماداً على الاستقرار الملحوظ للبنك، ما يعرض كل معاملة لمفاوضات معقدة. ومع ذلك، سيطر ما يقرب من 10000 نوع مختلف من الأوراق النقدية على المعروض النقدي بحلول عام 1860.
لم ينسجم أي من هذا مع الاقتصاديين القوميين، لكنهم ظلوا أقلية حتى الحرب الأهلية، وفي ذلك الوقت بدأت الحكومة الفيدرالية في إصدار «دولارات أميركية» ساعدت في ضمان تكاليف الحرب.
كانت هذه لحظة فاصلة حيث بدأ الجمهوريون، المهيمنون الآن في الكونغرس الذي تخلى عنه أعضاء مجلس الشيوخ الكونفدرالي، في تمرير التشريعات التي غيّرت النظام النقدي للبلاد. ففي عام 1862 أصدر وزير الخزانة، سالمون تشيس، أول دعوة لإلغاء النظام القديم لسك النقود، داعياً إلى «إنشاء تداول واحد سليم وموحد ذي قيمة متساوية في جميع أنحاء البلاد على أساس الائتمان الوطني المقترن برأس المال الخاص».
إثر ذلك، وجّه بعض النقاد نيرانهم إلى البنوك التي استأجرتها الدولة. ودعا روبرت والكر، في كتابه بالجريدة الدستورية الشهرية، الحكومة الفيدرالية إلى استئناف «الوظيفة السيادية العظيمة لتنظيم العملة ومنحها التوحيد والجنسية». الأكثر من ذلك أنه جرى ربط البنوك المستأجرة من الدولة بمبدأ حقوق الدول والكونفدرالية.
تعهدت بعض الأسهم بتقديم التعويضات، على عكس غيرها التي لم تفعل. وعملت غالبية الأسهم كسندات دين غير رسمية حتى عودة الأموال «الحقيقية». في البداية، غضّت السلطات الفيدرالية الطرْف عن هذه الممارسة لأنها ساعدت في التخفيف من الأزمة المصرفية المستمرة. وبعد ذلك، أدركت جماعة «ذا نيو ديلرز» في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت بشكل صحيح أن الشركات التي تستخدمها لدفع رواتب العمال قد تقوض فعلياً العدد المتزايد من أنظمة الأجور. في عام 1938، حظر قانون معايير العمل العادلة استخدام الأسهم لدفع الأجور.
لكن هذا الوضع لا يُقارن بمصادرة روزفلت للذهب. ففي عام 1933 أصدر روزفلت الأمر التنفيذي رقم 6102 الذي جعل الملكية الخاصة للذهب غير قانونية مع تعرض أي شخص يرفض الامتثال لغرامات وسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات. كان على المواطنين أخذ العملات الذهبية والسبائك إلى البنوك واستبدال الدولار الورقي بها وذلك بسعر محدد هو 20.67 دولار للأونصة. وبعد القضاء على الذهب من المعروض النقدي، رفع روزفلت السعر الرسمي للذهب، ما أدى إلى خفض قيمة الدولار في هذه العملية. وظل الاحتفاظ بالذهب تصرفاً غير قانوني حتى ألغى الرئيس جيرالد فورد هذه السياسة في عام 1974.
قبل عقد من الزمان، انهارت شركة رائدة في مجال العملات المشفرة تعرف باسم «الذهب الإلكتروني» بعد محاكمات بموجب «قانون باتريوت» الأميركي. وفي الآونة الأخيرة، أعرب المسؤولون الفيدراليون عن قلقهم من أن العملة المشفرة تهدد قدرة الدولة على إبراز قوتها في الخارج من خلال العقوبات وغيرها من الإجراءات. كانت هذه الطلقات الأولية نذيراً لمعارك قادمة أكبر.
ربما تكون الحكومات الوطنية قد تخلت بالفعل عن الكثير، لكنها تتمتع بسلطة كبيرة، ولديها سجل حافل بالنجاح، أكثر مما يدركه المروجون الأكثر مصداقية للعملات الرقمية.
* بالاتفاق مع {بلومبرغ}