جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الجيش الأفغاني كان محكوماً عليه بالفشل

قال دونالد رامسفيلد: «اذهب إلى الحرب مع الجيش الذي لديك». ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن الحلفاء الغربيين حاولوا وفشلوا في إنشاء نسخة مصغرة من المؤسسة العسكرية الأميركية الضخمة.
‎في عام 2006، كنت في العراق بصفتي نائب الأدميرال في البحرية، رفقة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وفي إحدى قاعات البلدية مع القوات الأميركية، أجاب عن سؤال بارز حول افتقار الجيش الأميركي إلى المركبات المدرعة قائلاً: «إنكم تدخلون الحرب بالجيش الذي تملكونه - وليس بالجيش الذي قد ترغبون أو تتمنون الحصول عليه في وقت لاحق». لقد كان تعليقاً أميناً ولكنه لا يعبر عن مشاعر الآخرين، وقد كان يتردد في رأسي طوال عطلة نهاية الأسبوع أثناء مشاهدة الانهيار المذهل لقوات الأمن الأفغانية في مواجهة هجوم «طالبان».
بعد خدمتي في البنتاغون، انتهى بي الأمر في منصب القائد الأعلى لقوات التحالف في منظمة حلف شمال الأطلسي. وكانت إحدى المهام الرئيسية على مدى أربع سنوات، من 2009 إلى 2013، هي بناء جيش وطني أفغاني يمكنه تولي مسؤولية القتال من 150 ألف جندي أميركي، فضلاً على قوة المساعدة الأمنية الدولية (أيساف) في قلب القتال ضد «طالبان». وحين سحبنا آخر بضعة آلاف من القوات على مدى الأسابيع العديدة الماضية، ذهبت أفغانستان إلى الحرب ضد «الجيش الذي كان لدينا»، فانهار ذلك الجيش على نحو بائس.
وعلى الرغم من وفرة الموارد والموهبة، وعلى مدى عقد من الجهد الجاد، فشلت مهمة التدريب بشكل واضح. لماذا؟ وماذا نتعلم من هذه الكارثة؟
لنبدأ بالإشارة إلى أن الجهد فشل في كثير من الجوانب المنفصلة. أولاً، انعدام الإرادة والقيادة من جانب الحكومة والشعب الأفغاني. وهناك أيضاً كثير من الأخطاء السياسية، بما في ذلك الفشل في إلزام حركة «طالبان» بالاتفاق الذي تفاوضت عليه مع إدارة الرئيس دونالد ترمب قبل إخراج القوات الأميركية: الإصرار على «الانسحاب المشروط».
وفي نهاية المطاف، لم تتوقع الاستخبارات الغربية سرعة الانهيار، ولم يسعَ خيالنا تصور عزيمة وجرأة «طالبان». ولقد لعبت الملاذات الباكستانية عبر الحدود مباشرة دوراً في هذه الدراما الطويلة، كما لعب الفساد المستشري الذي يغمر الثقافة الأفغانية دوراً أيضاً. ولكن كل هذا كان ليبقى على قيد الحياة لو قاتل الجيش الأفغاني باقتدار.
وحين نسترجع أحداث الماضي، فسوف نجد أننا دربنا النوع الخطأ من الجيش في أفغانستان. وقد حاولت الولايات المتحدة و«قوة المساعدة الأمنية الدولية» بيأس استخدام الجيش الأميركي كنموذج، وكان ذلك النهج الخاطئ. إن طريقة الحرب الأميركية غنية بالموارد: الاستخبارات الرائعة القائمة على الأقمار الصناعية، والتكنولوجيا المتطورة مع الرماية الموجهة الدقيقة، والغطاء الجوي الرائع (المزود بالأفراد والطائرات المسيرة) مع فترات الاستجابة شبه الفورية، والقيادة والسيطرة الواضحة للغاية، ما وفر إمكانية الاتصال الفائقة عبر الأفق، والأنظمة اللوجيستية «في الوقت المناسب» التي سمحت للوقود والغذاء والذخيرة بدعم العمليات القتالية، والإجلاء الطبي في «الساعة الحاسمة» إلى المستشفيات المتطورة. لم تحصل «طالبان» على أي من ذلك، وبينما كانت الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع الأفغان، كان بإمكان الشركاء المحليين القتال من خلال الاعتماد على الدعم الأميركي.
ولنتأمل هنا الثورة الأميركية باعتبارها قياساً على ما حدث: لقد دربت الولايات المتحدة وقوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن جيشاً من المعاطف الحمراء البريطانية، ولكن ما كان مطلوباً حقاً المزيد من التفاصيل الدقيقة. وكان من الواجب علينا أن نشدد على ما يمكن أن نطلق عليه اسم «المقاتلين الأفغان اليمينيين»، بمعنى قوات أخف وزناً إلى حد كبير، قادرة على القتال في فرق لا مركزية، ومفارز، وفصائل خفيفة، وسرايا سريعة المناورة. هناك جينات قتالية متأصلة في كثير من الأفغان - لقد نشأوا جميعاً في منطقة حرب، على أي حال، نظراً للصراعات المستمرة التي تعود إلى الثمانينات (بل إلى القرون السابقة). كان على الحلفاء الغربيين أن يستفيدوا من ذلك، ببناء نسخة خاصة بهم من قوة «طالبان».
وبصفة خاصة، كان من الواجب أن يتم تنظيم الأفغان لكي يصبحوا قوات محلية للدفاع الخفيف في قراهم ومديرياتهم وولاياتهم وما حولها. فقد كانوا في حاجة إلى أسلحة أبسط ومخابئ أكبر للذخيرة، مع عدد أقل من معدات الاتصالات المتطورة (يجري الآن الحصول على كثير منها لاستخراج الخردة في قاعدة باغرام الجوية خارج كابل).
وعلى غرار السياسة، فإن كل الأمن محليّ الوجهة، ولكن التركيز بدلاً من ذلك كان على إنشاء «جيش وطني» يسعى إلى استخدامه كأداة لتوحيد الأمة. وكما رأينا، لم ينجح ذلك. ولكن إحقاقاً للحق، كانت هناك محاولة لإنشاء بعض الميليشيات المحلية، ولكنها كانت في حاجة ماسة إلى الموارد التي كانت ملتزمة بالجهود الكبيرة المتمثلة في خلق نوع من القوة «الصغيرة» التي كانت تبدو أفضل على الورق مقارنة بالحرب الحقيقية.
ومن الجدير بالذكر أن أنجح المقاتلين المحليين في السنوات القليلة الماضية كانت القوات الخاصة الأفغانية وقوامها 20 ألف مقاتل. وقد جسدوا الفلسفة المتمثلة في قدرة القوات ذات الإمكانات العالية على المناورة والتحرك بسرعة، ولكنهم كانوا أقل عدداً من اللازم ولا يزالون يعتمدون أكثر مما ينبغي على الدعم الجوي الأميركي، والمعدات ذات التقنية العالية. في النهاية، أصبحوا مرهقين للغاية، مثل رجال الإطفاء الذين يكافحون الحرائق في جميع أنحاء الغرب الأميركي - إنهم فئة قليلة جداً ومنهكة جداً.
منذ عقد من الزمان، ناقشنا كل هذا على المستويات العليا، ولكننا ظللنا نعود إلى اعتقاد راسخ بأننا يمكن أن ننجح على أفضل وجه بنمذجة ما عرفناه فوجدنا أنه مريح: محاولة محاكاة القوات في نهاية الأمر.
إننا لم نحترم بالقدر الكافي هذه الأمة الصعبة، وثقافتها، وتاريخها، وتقاليدها، وأعرافها. ولدى اليونانيين كلمة تصف ذلك تماماً: الغطرسة.
فهل سيؤدي هذا الانهيار إلى تشكيل حكومة «طالبان» التي ترحب بعودة «القاعدة»؟ ربما تعلموا الدرس من السماح لأراضيهم بأن تصبح فضاء غير محكوم. ونظراً لكل الفصائل داخل الحركة، والمعاقل المتنافسة للجهات الفاعلة العرقية والإقليمية، فإن «طالبان» ربما لا تملك السيطرة الكاملة على بلادها المضطربة. والشيء المؤكد الوحيد في نظام «طالبان 2.0» هو أن الخاسرين النهائيين هم النساء والفتيات، بعدما ذاقوا ثمار العالم الحديث المتعلم لفترة وجيزة من الزمن.
وبوسعنا أن نستمع إلى الإحباط الهائل الذي اعترى أصوات الرئيس جوزيف بايدن وفريقه، حين قال: «لقد قدمنا لهم كل ما يحتاجون إليه، ولقد فشلوا». هناك حقيقة في ذلك. ولكن يتعين على الأميركيين أيضاً الاعتراف بأننا بنينا ذلك الجيش الفاشل على مدى 15 عاماً. ويتعين على وزارة الدفاع والقيادة المدنية الاعتراف بدورهم في هذا الفشل، وأن يتعلموا الدروس من تلك الأخطاء التي سوف يتكبد الشعب الأفغاني ثمناً باهظاً لأجلها. كان الجيش الأفغاني، وبصورة مأساوية، هو الجيش الذي أردنا. غير أنه لم يكن الجيش المناسب للنصر.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»