أغرق لبنانيون كثيرون وسائل التواصل الاجتماعي بصورة لبحر من الناس يموج في محاذاة مرفأ بيروت في الذكرى الأولى للانفجار، مطالباً بمحاسبة الذين تسببوا بهذا الانفجار الهائل الذي خطف حياة أكثر من 200 شخص، وجرح آلافاً، ودمر وهشم مئات الشقق والمساكن.
فهذا الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة في مقتل بأطنان من نترات الأمونيوم التي طرح حولها ألف سؤال وسؤال، ولا تزال الأسئلة تتوالد كل يوم، حل في وقت عصيب كان اللبنانيون يواجهون خلاله أزمات تسببت بها سلطة انتهجتها، مراراً وتكراراً، أيديهم وسترتها بأوراق في «صناديق الاقتراع».
فوسط بيروت أظهر للعالم غير مرة مثل هذا البحر البشري الهائل: مليون شخص شاركوا في جنازة الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري. مليون شخص شاركوا في تظاهرة 14 آذار (مارس) 2005 لإخراج سلطة الوصاية السورية وجيشها من لبنان. مليون شخص نزلوا ليقولوا «شكراً سوريا» فيما يعرف بـ«8 آذار»... مليون وربما أكثر تنادوا بآلاف متفرقة وتجمعوا، أياماً وشهوراً، في مدن وطرقات فيما عرف بـ«ثورة تشرين الأول» (أكتوبر/ تشرين الأول/ 2019)، مطالبين بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية مع بدايات الأزمة.
وكل ذلك ذهب هباءً منثوراً وأخذ معه أرواحاً كثيرة خلفت جروحاً لدى أسرها فقط. فلا معارضو النظام السوري في لبنان استطاعوا أن يحققوا شيئاً يعيد للبلد بعضاً من سيادته، ولا النظام السوري خرجت سلطته فعلياً من لبنان، لأن ربيبه زعيم ميليشيا مدججة بالسلاح وقابض على أنفاس «السلطة التشريعية»، ولحليفه الفارسي في لبنان فصيل عسكري متستر بالدين والسياسة - حتى أعلى الهرم اللبناني - ويحركه متى شاء وكيفما شاء بـ«تكليف شرعي». ولا الأزمات المعيشية والاقتصادية والمالية وجدت حلاً بالتظاهرات واستقالة حكومات وتدخلات دولية وزيارة رؤساء وعقد مؤتمرات وموت العشرات مجاناً في مواقع كثيرة... والنتيجة بؤس وخراب وجعجعة وأصوات تبح على الشاشات وصراخ لا يغني ولا يسمن من جوع.
ما يغني ويسمن من جوع هو أن يتعافى اللبنانيون من مرضين لازماهم طويلاً: «الواسطة» و«الانفصام». والتعافي من هذين البلاءين يحتاج إلى أفعال تبدأ بوعي فردي ومسؤولية شخصية وبخطوات قد تبدو صغيرة جداً، لكن تراكمها يجعلها كبيرة لها وزن وأثر تغييري فعلي. وتلك الصورة «المليونية» التي ظهرت أمام مرفأ بيروت، هي أول خطوة في رحلة الألف ميل، وهي نتيجة قرارات فردية نابعة من ألم ورغبة في المحاسبة والتغيير. ولكي تصرف هذه الصورة في موازين الربح والخسارة، يجب أن يكون لها دوي بعد بضعة أشهر في صناديق الانتخاب فتقصي هذه الطبقة القابضة على أنفاس العباد والبلاد منذ ثلاثة عقود، وتأتي بسلطة جديدة تعيد للبنان سيادته المفقودة منذ أكثر من 50 عاماً، وعندها فعلاً يمكن أن تحصل محاسبة ويحق للجميع أن يتباهوا، واقعياً وافتراضياً، بتلك الصورة ونتائجها!
8:7 دقيقه
TT
أين تصرف هذه الصورة؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة