وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

هل الثورة الصناعية الرابعة خطر على مستقبل النفط؟

انطلقت أمس أعمال «منتدى الثورة الصناعية الرابعة» الذي تحتضنه العاصمة السعودية الرياض. كان الحديث كله حول البيانات والذكاء الصناعي والجيل الخامس، والأرقام التي ذكرها المسؤولون ضخمة؛ حيث ستساهم كل هذه التقنيات في رفع الناتج غير النفطي بأكثر من 4 في المائة حتى عام 2030. كل هذه الأمور قد لا تبدو مشجعة لمن يعتقدون أن ثورة المعلومات سوف تنهي الطلب على النفط ومستقبله.
إن الثورة الصناعية الرابعة قائمة على استخدام الذكاء الصناعي والحساسات لنقل البيانات بين الأجهزة في المصانع والمزارع وكل نواحي الإنتاج مدعومة بالروبوتات ومحمية بالأمن السيبراني لمنع اختراقها. في الحقيقة كل هذه التقنيات تعتمد على الطاقة بشكل أساسي، والطاقة في العالم لا تزال تنتج من الوقود الأحفوري؛ مثل النفط والغاز والفحم. وكلما زاد الطلب على الكهرباء بسبب هذه التقنيات، زاد الطلب على الوقود الأحفوري، ولهذا ما زلنا نرى الفحم حتى اليوم يشكل نصف الوقود المستخدم عالمياً لإنتاج الكهرباء.
لكن إذا نظرنا من ناحية أخرى إلى هذه التقنيات، فهي سوف تساعد بشكل كبير في استمرار تدفق النفط؛ بل وتحسين إنتاجه. ودعونا نضرب أمثلة واقعية. «أرامكو» قبل سنوات استخدمت منظومة إنتاج تعدّ من الأمثلة على الثورة الصناعية الرابعة؛ حيث إن لديها حفارات في حقول كثيرة تجري إدارتها من بُعد من قبل شباب سعودي في الظهران بناء على بيانات يجري إرسالها فورياً من قبل الحفار الذي توجد به حساسات لقياس الحرارة والضغط وإرسال كل هذه البيانات للشاب في الظهران لأخذ قرار حول كيفية الحفر.
ولدى «أرامكو» تقنية أخرى تدعى «جيوستيرنغ» يجري من خلالها التحكم في حركة الحفار تحت الأرض من قبل مركز «أرامكو» في الظهران للعمليات المعروف باسم «أوسباس». كما تطور «أرامكو» العديد من الروبوتات للكشف عن النفط أو لإصلاح ومعالجة الآبار البحرية حيث لا يمكن للبشر التعامل مع الأعطال بسهولة.
كل هذه التقنيات ساعدت في رفع مستوى إنتاج النفط بشكل كبير، وكما قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح سابقاً عندما كان رئيساً لشركة «أرامكو السعودية»، فإن قطاع النفط يعدّ من أكثر القطاعات استهلاكاً للتقنية، ومنافساً للقطاع الصحي وقطاع الفضاء. والذي يرى حجم الاستثمار في البحث والتطوير والتقنيات الجديدة في هذا القطاع سوف يصل إلى النتيجة نفسها، وما النفط الصخري إلا نتيجة للتطور التقني في الحفر وليس المعرفة الجيولوجية.
وإذا نظرنا للاستخدامات الذكية للطاقة، فالمجال واسع لترشيد استهلاك المملكة من النفط بناء على هذه التقنيات، ومثال هذا حملة العدادات الذكية التي بلغت 10 ملايين عداد في مناطق المملكة. هذه العدادات جزء من أي شبكة ذكية لنقل الكهرباء، وفي المستقبل؛ بفضل هذه العدادات، سيكون بمقدور أي منزل أن ينتج الكهرباء من الألواح الشمسية وبيع أي كهرباء فائضة للشبكة. ليس هذا فحسب؛ بل إن هذه العدادات تساعد في جمع المعلومات عن الاستخدامات في الشبكة، مما يحسن من التخطيط لها. ولهذا؛ فإن مستقبل النفط لا تهدده هذه التقنيات؛ بل تساعدنا على حسن إنتاجه واستغلاله، والذكاء هو في استخدام دخل النفط في زيادة استخدامنا وتطويرنا التقنيات، وهذا ما تفعله المملكة حالياً.