شولي رين
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الصين وشركات «وحيد القرن»

عندما تجد شركة «يونيكورن» أو وحيد القرن (مصطلح ابتدعه مستثمرو رأس المال المغامر لوصف الشركات الناشئة المملوكة للقطاع الخاص، والتي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار)، فإنك بالتأكيد ستستثمر فيها، وذلك بغضّ النظر عن مكانها على الكرة الأرضية، فمن وادي السيليكون إلى بنغالور، حررت أكبر صناديق رأس المال الاستثماري في العالم شيكات بملايين الدولارات لدعم هذه الشركات الناشئة الواعدة، التي تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر، ولكن بُعد مكان هذه الشركات عن الشركة التي تستثمر أموالها فيها قد يؤدي في بعض الأحيان إلى حالة من عدم الوضوح.
والآن، تثير حملة الصين القمعية على شركة «ديدي غلوبال» العملاقة لخدمات تأجير السيارات سؤالاً مزعجاً بالنسبة إلى شركات رأس المال المغامر؛ هل سينجح نموذجها المتجول حول العالم؟
وقد كان أداء صناديق التمويل شديد العدوانية هذا العام، إذ يضيف صندوق رؤية شركة «سوفت بنك غروب» الثاني هدفاً واحداً جديداً، في المتوسط، من الشركات الناشئة كل يوم، في حين كانت شركة «تايغر غلوبال مانيجمنت»، ومقرها نيويورك، أكثر حرصاً؛ حيث شاركت في جولات تمويل تزيد قيمتها عن 20 مليار دولار، متجاوزة شركة «سوفت بنك»، البالغة 17.8 مليار دولار، وفقاً لإحصاءات مؤسسة «سي بي إنسايتس» للأبحاث وتحليل البيانات.
إن العثور على شركات «وحيد القرن» جديدة هو أمر يعد عملاً شاقاً، ولذلك فإن المستثمرين المغامرين يلجأون في نهاية المطاف للنفوذ والتعاون، وإحدى الاستراتيجيات، التي نشرتها شركات «سوفت بنك» و«تايغر غلوبال»، هي استراتيجية الامتداد الجغرافي، التي تشير إلى أنه في حال انطلق مفهوم جديد للخدمة عبر الإنترنت في منطقة ما، فإنه من المحتمل أن ينجح في منطقة أخرى أيضاً، كما أنه قد يكون من المناسب وضع المال في شركة ناشئة مماثلة في بلد آخر.
ونتيجة لذلك، فقد باتت الصناديق الاستثمارية الكبيرة تمتلك حصصاً في كثير من شركات «وحيد القرن» الأجنبية؛ حيث تستثمر شركة «تايغر غلوبال»، التي تتصدر التصنيفات العالمية من حيث عدد الشركات التي تمتلك حصصاً فيها، ثلث محفظتها في الشركات الناشئة الأجنبية، فيما يبلغ 22 في المائة من محفظة استثمارات شركة «كوتواي مانيجمينت»، ومقرها نيويورك، في شركات «وحيد القرن» في الصين، و20 في المائة في دول أجنبية أخرى، وذلك حسب البيانات التي قدّمتها مؤسسة «سي بي إنسايتس».
وقد دفعت شركة «سوفت بنك» هذا المفهوم العالمي خطوة أخرى إلى الأمام، مستخدمة صندوق الرؤية الأول الخاص بها، البالغ قيمته 100 مليار دولار، وهو صندوق حرب (الأموال المخصصة للاستخدام في موقف صعب أو خطير)، للاستثمار في منافسين في نفس القطاع، وإجبار الشركات على الاندماج المُدبر، ولعل أحد الأمثلة على ذلك هو شركات خدمة حجز السيارات، ففي أواخر عام 2014 ضخّت «سوفت بنك»، وهي مستثمر رئيسي في شركة «أوبر تيكنولوجيز»، 250 مليون دولار في منافسة «أوبر» اللدود في جنوب شرقي آسيا، شركة «غراب تاكسي» القابضة، وبعد شهر، قادت جولة تمويل بقيمة 600 مليون دولار، استفادت منها شركة «هانغتشو كو إيدي للتكنولوجيا»، التي تعد المنافس الرئيسي لـ«أوبر» في الصين، وباتت شركة «ديدي غلوبال» نتاجاً للدمج بين شركة «ديدي تاكسي»، بدعم من شركة «تينسينت» القابضة، و«هانغتشو كو إيدي» في 2015. ثم تمّ الاستحواذ على شركة «أوبر» في الصين في 2016. وبالتالي، فإن شركة «أوبر» في سان فرانسيسكو تمتلك حصة تبلغ 11.9 في المائة في شركة «ديدي غلوبال».
وإذا كانت فلسفة الاستثمار هذه تبدو بسيطة للغاية بحيث لا يمكن أن تكون مربحة، فهي بالفعل كذلك؛ حيث حوّلت الصين حلم الاستثمار حول العالم إلى كابوس.
وإليكم الرواية المحزنة؛ فعلى مدى عدة سنوات، استثمرت صناديق رأس المال الاستثمارية الكبرى مليارات الدولارات في شركة «ديدي غلوبال»، لكن صبر هذه الصناديق قد بدأ ينفد، وبعدما شعرت بالضغط، دفعت «ديدي غلوبال»، وهي شركة وحيد قرن قديمة نوعاً ما، لاكتتاب عام ضخم بقيمة 4.4 مليار دولار، في نيويورك، لتوفير مخرج مربح لمستثمريها، وقد فعلت ذلك عندما اقترحت الصين، وراء الكواليس، أن تقوم الشركة بتأجيل هذا الاكتتاب العام لإجراء فحص شامل لأمن شبكة البيانات الخاصة بها، وهو ما أغضب بكين، لأنها شعرت بالتجاهل، وقامت باستعراض عضلاتها، وأعلنت عن فتح تحقيق في الأمر، ما أدى لانخفاض أسهم «ديدي غلوبال» بشكل كبير.
والآن يشعر المستثمرون الأجانب بالألم والخسارة، فعلى مرّ السنين، استثمرت «سوفت بنك» ما يقرب من 11 مليار دولار في «ديدي غلوبال»، ولكن مع إغلاق يوم الثلاثاء الماضي، كانت حصتها تبلغ نحو 12 مليار دولار فقط، ما يجعل الأخيرة بمثابة تجارة غير مربحة إذا تم حساب القيمة الزمنية للنقود، وقد كانت شركتا «تايغر غلوبال» و«كوتواي مانيجمينت» من أوائل المستثمرين في «ديدي غلوبال» أيضاً، ولكن في غضون ذلك، فإن الصين ببساطة لا تهتم بما إذا كان مستثمرو الشركة بحاجة إلى الخروج، أو ما إذا كانوا يحصلون على عوائد جيدة.
كما أن بكين لم تنتهِ بعد من الرد على «ديدي غلوبال»، فبسبب خوفها من نقل البيانات وتداعيات ذلك على الأمن القوم للبلاد، قالت الحكومة الصينية، يوم الثلاثاء، إنها ستشدد القواعد على الشركات المدرجة أنها تعمل في الخارج أو التي تسعى لبيع أسهمها في الخارج، وهو ما يعد بمثابة ضربة مباشرة لصناديق رأس المال الاستثماري، التي تضم أكثر أسواق الأسهم سيولة في العالم، حيث كان خيار الخروج الأكثر شيوعاً هو فتح الاكتتاب العام في نيويورك.
كما سارعت شركات «وحيد القرن» الناشئة الأخرى المختلفة، من الشركة المالكة لتطبيق «تيك توك» «بيتدانس» المحدودة، إلى شركة «لالا موف» العاملة في مجال الخدمات اللوجستية والنقل، للتحايل على المنطقة التي بدأت بكين تشعر بالحساسية تجاهها؛ بيانات المستهلك والبنية التحتية، وعلى هذا النحو، فقد تضطر «بيتدانس» المحدودة، التي تمولها «سوفت بنك» و«تايغر غلوبال» إلى تأخير طرحها الأولي أو خفض قيمتها، في حين تقدمت «لالا موف»، بشكل سري، وبتمويل من «تايغر غلوبال»، للاكتتاب العام الأولي في الولايات المتحدة، بمبلغ مليار دولار، الشهر الماضي، ومن المتوقع أن يكون عرضها أمراً ممتعاً للمشاهدة.
وبأي حال من الأحوال، فإن الصين ليست استثناء، إذ تهتم الحكومات في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد بأمن البيانات وحقوق المستهلك؛ حيث تخضع شركة «كوبانغ» للتجارة الإلكترونية في كوريا الجنوبية، والتي تعتبر «سوفت بنك» أكبر مساهم فيها، للتحقيق بشأن التلاعب المزعوم بخوارزميات البحث.
وبسبب كارثة «ديدي غلوبال»، فقد يبدأ مستثمرو الأسهم الأميركيون في وضع مخاطر أعلى على شركات «وحيد القرن» الأجنبية، وفي حال تم ذلك بالفعل، فإنه سيكون من الصعب على الصناديق الكبيرة الوصول لنقطة التعادل (مساواة الإيراد الكلي والتكاليف الكلية، وعند هذه النقطة فإن الشركة لا تحقق ربحاً أو خسارة).
وصحيح أن مسألة التعامل مع صندوق رأس المال الاستثماري بسيطة إلى حد ما؛ حيث يتعين إيجاد شركة «وحيد القرن» ثم البحث عن مخرج مثمر بعد بضع سنوات، أو عندما يكون سوق الاكتتاب العام مربحاً، ولكن يمكن أن تصبح الأمور أكثر صعوبة عندما يتعلق الأمر بالجغرافيا السياسية؛ حيث إنه قد يبدو تصدير مفهوم من منطقة إلى أخرى وكأنه معادلة مربحة، ولكن السياسات المحلية والمخاوف الضيقة قد باتت تدخل الآن كعوامل خطر، ولعل الصين أكبر دليل على ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»