إميل أمين
كاتب مصري
TT

السعودية... حديث الاعتدال والوسطية

على مقربة من الفترة الممتدة من 30 يونيو (حزيران) إلى 3 يوليو (تموز)، تلك التي تحتفل فيها مصر بذكرى عزيزة وغالية على المصريين والعرب جميعاً، ذكرى انزياح التطرف والإرهاب، وإعلاء منهج المواطنة والتعايش من دون محاصصة أو فوقية، كان وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة يؤكد أن مصر والمملكة العربية السعودية تعملان معاً لمواجهة التطرف ومجابهة أفعال الجماعات الإرهابية، وفي الوقت ذاته تعززان منهج الاعتدال والوسطية، وإظهار وجه الإسلام السمح المشرق وحضارته العظيمة الراقية.
الوزير المصري والعالِم الجليل، وفي تصريحات له في مطار القاهرة الدولي، وغداة وصوله عائداً من زيارة عمل للمملكة العربية السعودية، وضع ومن جديد النقاط على الحروف، وذلك حين وضّح دور الأديان في نشر السعادة لا الشقاء بين البشر، وعنده أن عمارة الدنيا بالدين هو هدف نبيل، وليس تخريب الكون من منطلقات تتخفى وراء ستار الدين، ومشيراً إلى مقاربة مهمة للغاية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهي أن العالم لن ينظر إلى ديننا نظرة تقدمية حقيقية، ما لم نتفوق في أمور دنيانا.
الوزير جمعة وبعد زيارة عمل استمرت أربعة أيام في المملكة توقف في تصريحاته عند الجدية التي تقوم بها القيادة السعودية في مواجهة الفكر المتطرف، والحرص البالغ من قِبل مسؤوليها السياسيين والدينيين، على نشر معاني الوسطية والاعتدال ومواجهة واستئصال الأفكار والجماعات المتطرفة.
يعنّ للقارئ المتابع أن يتساءل «وما الجديد في سوق الأفكار العالمية هذه الأيام، الذي يستدعي إعادة النظر في فكر الوسطية والاعتدال، واليقظة لموجات التطرف والإرهاب التي يمكن أن تهب على المنطقة من جديد؟».
يحتاج الحديث إلى شيء من المكاشفة والمصارحة، لا سيما أنه بالفعل تبدو الساحة الدولية مرتبكة بشكل يدعو للقلق، فقد أوجدت جائحة «كوفيد – 19» بتحوراته وحواراته كافة حالة من الانسداد الوجداني والإيماني بالإنسان كخليفة الله في الأرض، وحل مكانها موجات من القومية والعصبية، الشوفينية والأصولية، وبات الارتداد إلى الداخل، والاحتماء بالتشدد يكاد يكون الحل، شرقاً وغرباً؛ الأمر الذي ولّد مخاوف من صراعات قائمة وقادمة لا محالة.
ومن بين أسباب المخاوف بعض التطورات السياسية والعسكرية في الشرق الأدنى، لا سيما مسألة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وما يمكن أن ينشأ عن الأوضاع الجديدة هناك من إعادة إنتاج بغيضة لجماعات وأفكار ظلامية، تقود المنطقة مرة أخرى عبر مسارات ومساقات قاتلة وفي أوقات يحتاج فيها الجميع إلى المزيد من البناء والنماء، وليس معاول هدم آيديولوجية أو دوغمائية.
عطفاً على ما تقدم، فإن وجود قوى غير عربية في المنطقة (إيران مثالاً)، وإن تمسحت في رداء الإسلام، الا أنها تاريخياً لم تحمل للمسلمين العرب ولن تحمل أي مشاعر إيجابية، وقد عملت طويلاً ولا تزال تعمل في إطار تلويث عقول الشباب، وتعميق الفتنة المذهبية في قلوبهم.
في مايو (أيار) 2019، وغداة صدور «وثيقة مكة»، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أن السعودية قامت على الوسطية والاعتدال، كما أن نظرة سريعة على مبادئ الوثيقة تقطع بصدقية هذا التوجه.
ولعل بعضاً من مبادئ تلك الوثيقة الموقعة في 30 مايو 2019، تشير إلى تلك الرؤية السعودية الوسطية، وفيها التأكيد على أن المسلمين جزء من هذا العالم بتفاعلاته الحضارية، وأنهم يسعون للتواصل مع جميع دول العالم لتحقيق صالح البشرية.
تقرّ الوثيقة بأن البشر متساوون في إنسانيتهم وينتمون إلى أصل واحد، كما تدعو للتصدي لممارسات الظلم والعدوانية، وكذا الصدام الحضاري والكراهية.
عطفاً على ذلك، ترى الوثيقة أن مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، أمور واجبة، والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة والشعارات العنصرية درب لا بد من السير عليه، بجانب دعم قيم التنوع الديني والثقافي، والتأكيد على براءة الأديان والمذاهب من مجازفات معتنقيه ومدعيها، والقطع بأن الأديان السماوية أصلها واحد، وهو الإيمان بالله وحده، ولا يجوز الربط بين الدين والممارسات السياسية الخاطئة.
تبدو العلاقات الأخوية السعودية - المصرية ماضية عبر إرادة قوية لا تلين في طريق اجتثاث التطرف، وقد ذكر الوزير جمعة بالنص كلمة، الإخواني، في إشارة إلى جماعة بعينها لم تحمل الخير للأمة في لحظة ما، بل حاولت اختطاف الدين السمح وتضييق ما هو واسع، وأشاد بالدور الذي يقوم به نظيره السعودي الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ في استئصال هذا الفكر واقتلاعه من جذوره، ومن ثم تجفيف منابعه.
التعاون المصري - السعودي الخلاق على الصعد كافة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، راعى دوماً وأبداً إشكالية الحروب الفكرية، تلك التي لا تقل ضراوة عن المعارك العسكرية، بل إن الأخيرة هذه يمكن أن تنتهي عند حد معين، في حين تبقى للأفكار أجنحة تطير بها من جيل إلى جيل، ومن موقع إلى موضع في زمن الأفكار المجنحة.
أحلى الكلام... مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وأنه لا بد للدين من دولة قوية تحمله وتحمي معانيه وترفع رايته عالياً.