مالك القعقور
TT

قاطع... لا مفر!

على نغم ما تغني السيدة ماجدة الرومي «حاصر حصارك لا مفر/ اضرب عدوك لا مفر»، لابد من أن يقال للبناني: «قاطع تجارك لا مفر/ اضرب عدوك لا مفر». وعدو الشعب اللبناني يكاد يكون صنيعة يده: تجديده لحكامه مراراً وتكراراً، وهجومه على كل شيء من سلع ودولار ووقود.
فخلال أقل من عامين، غدا هذا الشعب، بلعبة العرض والطلب التي يتقنها التجار، عاجزاً عن شراء حاجات تموينية كثيرة، نظراً إلى الاستمرار الجنوني في ارتفاع الدولار (لامس 18 ألف ليرة في السوق السوداء فيما لا يزال سعره رسمياً 1515 ليرة ورواتب الموظفين تسدد على أساسه، وبالتالي السلع)، وسط حديث طاغٍ عن رفع الدعم وإشاعات أكثر عن احتمال انقطاع مواد أساسية وما يستتبع ذلك من «هجمات» على التخزين.
الغريب أن اللبنانيين لم يسترشدوا، وربما لن، إلى سلاح فتاك يسمى «المقاطعة». فهذا السلاح فعال جداً ضدّ أي شيء عندما يحسن استخدامه، علماً أن شعباً سدد أثماناً باهظة لحروب وحروب يفترض به أن يكون خبيراً في «الصبر»، وماهراً في استخدام هذا «السلاح»، ولو لبضعة أيام يقتات خلالها الناس من «حواضر» منازلهم من عدس وأرز ومعكرونة وخلاف ذلك.
5 أيام فقط، أو 3 أيام، لا يشتري فيها أحد شيئاً، إلا المضطر لحاجة ضرورية جداً. وهذه الأيام الخمسة، إن حصلت وجربها اللبنانيون بدلاً من أن يعيدوا للمرة الألف تجربة المجرب كقطع الطرق والصراخ، كفيلة بإتلاف ما لدى التاجر من لحوم وخضروات وفاكهة... وكفيلة أيضاً بكساد بضائع كثيرة وحرمان المتنفعين من تحقيق مداخيل كبيرة وإرسالها إلى سويسرا التي كشفت قبل أيام عن زيادة ودائع لبنانيين في مصارفها نحو ملياري دولار منذ بدء الأزمة.
الغريب أيضاً أن الأمم المتحدة التي لها في لبنان مركز رئيسي (أسكوا)، تعمم قبل أيام على موظفيها الذين يقدر عددهم في لبنان بنحو 3 آلاف، وربما يتقاضون رواتبهم بالدولار، دعوة إلى «تأمين طعام ومياه صالحة للشرب تكفي أسبوعين» لتزيد بذلك الطين بلة، بدلاً من أن تندفع بأجهزتها وبرامجها الكثيرة، وبعضها يعنى بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، إلى إطلاق مبادرات لمساعدة هذه الدولة بحلول سياسية واقتصادية تبدأ بإعانتها على استعادة سيادتها المخطوفة وإخراجها من لعبة المحاور، مروراً بإنجاز مسألة ترسيم حدودها البحرية (الغازية) مع إسرائيل، ولا تنتهي عند محاولة مساعدتها بقرارات ومحاكمات دولية لناهبي أموالها ومقدراتها، دولاً وأفراداً... وإلا فإنها تكاد تكون شريكاً مع قوى سياسية ودولية لا يعلم أحد ما تحيكه للمنطقة من مشاريع في عالم تقوده المصالح، في منافسة اللبنانيين على لقمتهم أو في دفعهم إلى زيادة التقاتل للحصول عليها!