مأمون فندي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون سابقاً، ويعمل الآن مديراً لمعهد لندن للدراسات الاستراتيجية. كتب في صحف عديدة منها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«فاينانشال تايمز» و«الغاردين» وبشكل منتظم في «كريستيان ساينس مونوتور»، و«الشرق الاوسط». له كتب عديدة بالإنجليزية والعربية آخرها كتاب «العمران والسياسية: نظرية في تفسير التخلف 2022».
TT

بايدن وتحالف الديمقراطيات

في زيارة ممتدة لثمانية أيام حاول الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إعادة ترميم تحالفات أميركا مع أوروبا في إطار ما تسميه الإدارة الأميركية تحالف الديمقراطيات والموجه تحديداً ضد كل من روسيا والصين، فماذا تعني رحلة بايدن لمستقبل السياسة الدولية على المدى القصير؟ وهل استطاع بايدن أن يحقق الأهداف الرئيسية من رحلته المتمثلة في عودة أميركا، وحصار الصين وروسيا ثم بناء تحالف صلب يحقق المرجو من هذا الحصار الذي يهدف إلى تغيير سلوك البلدين على الساحة الدولية؟
في هذه الزيارة الطويلة لرئيس الولايات المتحدة التي اشتملت على ثلاث محطات رئيسية ذات تبعات سياسية: الاجتماع الوزاري لدول حلف الناتو، وقمة الدول السبع الكبار (G7)، ثم اجتماعه في جنيف في قمة ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأخيرة ربما وبمرور الوقت سيكون لها الأثر الأكبر في تحديد سياق العلاقات الدولية في ظل ظرف صعب وصلت فيه العلاقات الروسية - الأميركية إلى أدنى مستوياتها، حسب تعبير الرئيس الروسي بوتين.. جميع هذه المحطات مربوطة بخيط استراتيجي يمثل رؤية إدارة بايدن لدور أميركا في عالم علاقات دولية متغيرة ولم تعد لأميركا فيها السيطرة كقطب واحد كما كان الحال في السابق.
رغم أن بايدن وصف نظيره الروسي من قبل في إحدى المقابلات التلفزيونية بالقاتل إلا أن اجتماع جنيف خفف من حدة لهجته وربما تغيرت إلى حد ما عندما وصف بوتين بالخصم الجدير بالاحترام (worthy adversary)، ولاحت في الأفق إمكانية التوصل إلى صيغة تعاون بين روسيا والولايات المتحدة في حدودها الدنيا. بالطبع ملفات اجتماع جنيف كانت كثيرة وممتدة من العلاقات الثنائية بين البلدين إلى الملفات الإقليمية من أفغانستان مروراً بسوريا وليبيا وأوكرانيا ولكن ما ظهر من نتائج لا يوحي بتعاون وثيق، فقط كان تبريداً للنقاط الملتهبة بين الطرفين.
عودة السفراء كانت بداية مبشرة وربما كافية في تلك الأجواء المشحونة وبداية لتلمس الطريق. ومع ذلك تبقى شخصية الرئيسين وانطباعات كل منهما عن الآخر أساسية في تشكيل العلاقة بين الطرفين. فما زال بايدن يعتقد أن بوتين ضالع فيما عرف بالهجوم الإلكتروني على الديمقراطية الأميركية، وكذلك ضالع في قتل معارضيه، ومن هنا يصعب على بايدن تسويق بوتين لدى الرأي العام الأميركي.
أما الصين، وهي التحدي الأكبر بالنسبة للهيمنة الأميركية على النظام الدولي، فلا أظن أن رحلة بايدن نجحت في احتوائها، خصوصاً أن هناك تبايناً أميركياً وألمانياً مثلاً في الموقف من الصين، وأن المواجهة المباشرة في قمة ألاسكا كانت أكثر حدة مما يجب.
زيارة بايدن التي كانت مركزة وطويلة ربما نجحت في تحقيق مفهوم عودة أميركا إلى المشهد الدولي بقوة وبالتزام المتعارف عليه في العلاقات الدولية، لكن قدرتها على حشد الديمقراطيات من اليابان إلى الهند مع الديمقراطيات الغربية ضد كل من الصين وروسيا هو أمر ما زال يحتاج إلى لقاءات استراتيجية أخرى بين تجمع الديمقراطيات المزمع إقامته.
باستثناء إيران، لم يكن للشرق الأوسط نصيب يذكر في هذه اللقاءات، مما يعني أن أوضاع الشرق الأوسط ستبقى على ما هي عليه حتى ظهور أزمة جديدة مثل أزمة إسرائيل وغزة.
أميركا عادت ولكنها عودة محسوبة وربما بأقل مما هو مطلوب للقيام بدور حاسم في عالم علاقات دولية تكون السيولة أولى صفاته وأهمها.