حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السيناريو الأسوأ!

أحداث مهمة ومتلاحقة استحوذت على معظم عناوين الأخبار في الأيام الماضية، ولكنها في مجملها تصب في اتجاه واحد، وهو أن البوصلة السياسية الاقتصادية تشير إلى رياح تغيير مؤثرة ومهمة آتية. أهم هذه الأحداث كان انتخاب حكومة جديدة في إسرائيل مكونة من ائتلاف معقد ومركب، وشخصيات سياسية تتبنى مبادئ متناقضة تماماً مع شركائها في الائتلاف. والحدث الثاني المهم هو انعقاد قمتي مجموعة الدول السبع ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبالطبع انتخاب رئيس جديد في إيران وهو إبراهيم رئيسي، الذي ينتمي للتيار المتطرف، ويعد من الصقور المتشددة داخل المنظومة الحاكمة، وهو متهم من قبل المنظمات الحقوقية بارتكاب عدد كبير من الجرائم بحق المعارضين في إيران. وتم أيضاً الإعلان عن سحب كل القوات الدولية من أفغانستان وعودة الصوت السياسي المتطرف لحركة جماعة «طالبان» في المشهد الأفغاني ومطالبتها بحصة الأسد في حكم البلاد.
على الصعيد الاقتصادي، نالت أخبار الصعود المتواصل في أسعار برميل النفط ووصولها إلى حافة الخمسة وسبعين دولاراً، وذلك بسبب عودة الحياة الاقتصادية في كثير من الأسواق الكبرى المؤثرة إلى أوضاعها السابقة التي كانت عليها قبل الجائحة المدمرة، وهذا الصعود الكبير لسعر برميل النفط كان متوقعاً ومنتظراً وطبيعياً، فلقد توقعته أهم البنوك والشركات البحثية والاستشارية، ولكن هناك من أضاف بعداً آخر لهذا التوقع قائلاً إن هذا من المتوقع أن تكون «حفلة النفط الأخيرة»، أو بمعنى آخر هذه هي الطفرة السعرية الأخيرة لسلعة النفط، وعندما يأتي هذا الرأي من كيانات كبيرة ومؤثرة ومهمة جداً مثل «غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان»، فمن الضروري الإنصات والتمعن في أهمية ما يقال.
نبوءة وتوقعات الطفرة الأخيرة للنفط ليست بالطرح الجديد، فهناك كثير ممن توقع ذلك في الماضي، إلا أن المعطيات اليوم مختلفة تماماً. ويمكن اختزال المعطيات الجديدة المؤثرة والمهمة في كلمتين فقط: المناخ والصين.
فاليوم يتم وبشكل واضح جداً استغلال وتسييس أزمة المناخ العالمية المتفاقمة لتكون أداة تأثير فعالة لإبطاء حركة النمو الحاصلة في اقتصاد الصين منذ سنوات ليست بالقليلة، خصوصاً أن اقتصاد الصين يعتمد وبشكل كامل تقريباً على الطاقة النفطية ولا بدائل لديه يمكن تصنيفها كطاقة خضراء وصديقة للبيئة. وبالتالي رفع «الشروط والمقاييس والمعايير» لاستخدامات الطاقة النظيفة (أو مواجهة العقوبات الغليظة في حالات المخالفة) ستكون نتيجته استهلاكاً أقل في السلعة النفطية وهبوطاً شديداً في الأسعار، مع عدم إغفال مسألة قرب دخول الإنتاج الإيراني إلى السوق العالمية مرة جديدة مع إتمام الاتفاق النووي بين إيران والمعسكر الدولي، كما هو متوقع، وكذلك رغبة كل من العراق وليبيا في العودة إلى مستويات الإنتاج والتصدير السابقة قبل الاضطرابات السياسية التي حدثت في كل منهما.
هذه النقاط وغيرها بطبيعة الحال هي السبب الرئيسي والأهم الذي جعل المصارف الكبرى تدق جرس الإنذار وناقوس الخطر لعملائها خاصة والأسواق الاستثمارية المالية عامة.
الحرب التجارية المتوقعة بين المعسكر الغربي والصين ستتصاعد وتزداد وتيرتها وتشتد قساوة وحدة نتائجها، وسيكون من المتوقع اللجوء فيها إلى استخدام كل العناصر والوسائل لتسجيل النقاط ضد الخصم. فالحديث مستمر عن حرب العملات الرقمية والحرب السيبرانية والحرب البيولوجية، إلا أننا دخلنا الآن مرحلة الطاقة والطاقة البديلة، وهذا تفسير جانبي للصفقة الكبرى طويلة الأجل والمدى التي عقدتها الصين مع إيران لتأمين مواردها واحتياجاتها النفطية منها.
إذا كانت توقعات البنوك الأميركية الكبرى قد ثبت صدقها لاحقاً، وتبين فعلاً أن هذه كانت الطفرة النفطية الأخيرة أو تبين أن في الأمر مبالغة، فإن هذا لن يغير من أن النفط والمناخ أصبحا سلاحاً مسيساً وأداة ضغط غليظة بوجه الصين، الذي يراه الكثيرون في المعسكر الغربي تحدياً وجودياً بالنسبة للعالم، وذلك بسبب اختلاف المرجعية الحقوقية بين الفريقين.
هذه التغيرات المتوقعة ستكون لها الآثار المهمة والمؤثرة على المنطقة بصورة عامة، وقد يكون الاتجاه الأعقل والأكثر واقعية أن يكون التعامل مع التغيرات المذكورة بأسلوب «السيناريو الأكثر سوءاً» للخروج من دائرة الإحباطات والأخبار السيئة، لأن الأسوأ سيكون وقتها مأخوذاً في الاعتبار.