سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

إلى أين تذهب الأمم؟

التقيت في لشبونة ذات يوم أربعة من رجال الأعمال الكويتيين. وهذه صفة حديثة لم تكن معروفة من قبل، بل كان «التجار» وجه البلد وسند الاقتصاد. وتغيرت الطبقة مع الوقت واتسعت وتنوعت، ولم يعد الاسم القديم دقيقاً.
سأل كل منّا الآخر ما الذي يحمله إلى عاصمة البرتغال؟ إجابتي كانت الأقصر: زيارة مدينة فرناندو بيساوا. أما السادة الأربعة فكانوا عبارة عن فرقة تعد لمهاجمة سوق العقار في البرتغال، من غربة الأندلسي إلى عاصمته الإمبراطورية.
لم يصل البرتغاليون إلى الكويت أو لبنان أيام الإمبراطورية، بل توقفوا على ساحل عمان، حيث لا تزال قلاعهم قائمة. قلت للسادة الأربعة، إنكم لا تنتبهون إلى شيء مهم: أنتم تتملكون الآن في بلاد كانت من علامات العصور: أولاً، الأندلس الذي ذابت ممالكه في النزاعات العربية المعتادة، وثانياً، البرتغال، التي عادت دولة عادية متوسطة بعدما سيطرت في القرون الماضية على التجارة في ثلاثة محيطات: الأطلسي والهندي والمحيط الهادي (الباسيفيكي). وعلى نحو ما، أسس أولئك المغامرون لأول مراحل التجارة العالمية، أو «العولمية».
ومن القرن السادس عشر البرتغالي، انطلقت حركة ملاحة عالمية جمعت بين الأمم والشعوب. وتطوّرت معها صناعة السفن وصناعة أدوات الإبحار والقياس، و... صناعة المدافع. إذ سرعان ما نقل الإنسان القتال من البر إلى البحر. وسوف تخطف بريطانيا سيادة البحار وتنشئ إمبراطورية تتجاوز بكثير البرتغاليين الذين اكتشفوا البرازيل وبلغوا العمق الأفريقي.
المسألة، أقول للسادة الأربعة، أن البرتغاليين كانوا الأكثر شجاعة وعرفوا كيف يبحرون بعيداً عن الشاطئ. وفي صيف 1488 وصل بارت بلباو دياز إلى رأس الرجاء الصالح. وفي عام 1500 وصل بدرو كابرال إلى البرازيل، لكنه لم يعتبر ذلك مهماً، فأكمل طريقه إلى كاليكوت في الهند. ومن بعده توزع المغامرون في البلدان وصولاً إلى كينيا وماليزيا والصين. لكن ليس من دون ضحايا وموت وخسائر.
ماذا كان يريد البرتغاليّون؟ أن يبنوا لأنفسهم طريقاً إلى آسيا، بلاد البهارات والأفاوية التي شغف بها الأوروبيون، إضافة إلى المرجان والزئبق والنحاس والحرير. والآن ها هم يبيعون، لمن يرغب، الإقامات الحرة والجنسيات وصورة فاسكو دا غاما على البطاقات البريدية وأنواع العقار وأشياء أخرى.
إلى أين تذهب الأمم؟ كيف تتلاشى؟ كيف تغيب جوهرة مثل الأندلس، وكيف تعود بريطانيا دولة عادية لا ملحقات لها وراء جميع البحار؟ لا ندري. ما من سبب واحد لهذا السقوط العظيم. وقد تعب المؤرخون في تحليلها. وفي رأيي أن التحفة في هذا المجال لا تزال مجلد إدوارد غيبون. تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية.