د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«إمعية العقل» العربي

لسنا وحدنا في هذا العالم من يشتكون من «العقلية الإمعية». تلك التي تقلد أو «تمتثل» لما يقوله الآخرون وكأنه أمر مسلم به. في فبراير (شباط) الماضي، تبين لنا عبر علماء أميركيين أن الإنسان «الغربي» يمكن أن «يمتثل» للرأي الجمعي، وإن كان يدرك أن ما يقدم له مجرد معلومات من روبوتات آلية!
ففي دراسة للعالم نيكول سالمونز وزملائه من جامعة ييل العريقة، كُشِف لنا النقاب عن أن مفهوم الامتثال conformity يتحكم في كثير من تصرفاتنا وآرائنا. وهو نوعان، الأول «التأثير المعياري الاجتماعي» وذلك حينما يشعر أحدنا بضغوطات اجتماعية تدفعه لتغيير رأيه أو سلوكه ليمتثل لرأي باقي المجموعة. وهو ما حدث مع المعلومات التي جاءت من روبوتات، ما دفع المشاركين إلى تغيير قناعاتهم، فقط لأنهم يعتقدون أن الروبوتات لديها معلومات صحيحة أكثر منهم. فقد كانت الدراسات السابقة تظهر أننا نتأثر بكلام الناس بشدة، والآن دخل الإنسان الآلي على الخط.
علماء آخرون كشفوا أن الناس تمتثل لتصرفات الجماعة من حولها. فعندما حاولوا مراراً دفع نزلاء الفنادق لإعادة استخدام المناشف (الفوط) أكثر من مرة، حماية للبيئة، من تداعيات كثرة استخدام المنظفات، لم تحزر مساعيهم تقدماً يذكر إلا حينما كتبوا ورقة أشارت إلى أن نحو 75 من نزلاء الفندق يعيدون استخدام مناشفهم. هنا قفزت الأرقام بصورة كبيرة. فالناس تتأثر بكلام من حولها. وما عايشه الناس من أزمة فيروس كورونا المستجد أكبر دليل على أن كثيرين نجحت معهم فكرة الإمعية (الإيجابية)، فذهبوا طواعية إلى مراكز التطعيم بعد أن أمطرتهم الحكومات بوابل من الإعلانات والحقائق والتقارير عن جدوى التطعيم.
أما النوع الثاني من الامتثال فهو «الاعتقاد بأن الآخرين لديهم بالفعل الإجابات الصحيحة أو يمارسون السلوك الصحيح». ومن أشهر الأمثلة دراسة الباحثين كوهين وغولدن عندما أظهرا لنا أن المشاركين يقيّمون منتج قهوة بدرجات أعلى بكثير من الذي يعتقدون به في قرارة أنفسهم، فقط لأنهم لاحظوا المحيطين بهم يمنحونه تقييماً مرتفعاً!
خلاصة القول إن الدراسة الحديثة بعنوان «أقلية الفرد مقابل أغلبية الروبوتات» تشير إلى أن الروبوتات الآلية يسببون لنا معشر البشر انحيازات إدراكية biases وهي الاعتقاد السائد بأن الجماعة على حق. وفي السابق، كنا نصف الامتثال لتصرفات الآخرين «بعقلية القطيع»، لكننا أمام «قطيع إلكتروني» هذه المرة.