تيلر كوين
TT

أميركا بين الأجسام الطائرة والأسواق الحائرة

الآن، بعد أن بدأت وزارة الدفاع (البنتاغون) في التعامل بجدية مع الأجسام الطائرة المجهولة، ربما يكون من المناسب النظر إلى بعض الجوانب البسيطة للظاهرة - تحديداً ما تعنيه للأسواق. من المحتمل أن يظل الغموض محيطاً بالبيانات المتعلقة بالأجسام الطائرة المجهولة، لكن إذا أصبحت الأجسام الطائرة الغامضة القادمة من أصول غريبة أكثر احتمالاً بصورة ما، فأي الأسعار ستتغير نتيجة ذلك؟
ودعونا ننظر هنا في واحد من السيناريوهات الملموسة: لنفترض أن الحكومة الفيدرالية أوفت بوعدها التشريعي بالكشف عن جميع المعلومات السرية المتعلقة بالأجسام الطائرة المجهولة هذا الصيف، وعقد العديد من أعضاء مجلس الشيوخ مؤتمراً صحافياً أعلنوا خلاله أنه لا يمكن استبعاد فرضية وجود كائنات فضائية.
بداية، أتوقع أن معظم الأسواق لن تتحرك كثيراً. وعلى المدى القصير، ربما يرتفع مؤشر «في آي إكس»، لكن بعض المستثمرين ربما يتساءلون فيما بينهم حول ما إذا كان هناك جانب خفي وراء الإعلان. إلا أنه نظراً لأن المستثمرين يدركون أن أعضاء مجلس الشيوخ بطبيعتهم عادة ما يتصرفون على نحو محير، وليس هناك أي كائنات فضائية محتجزة بمكان ما، فإن الاحتمال الأكبر أن مؤشر «في آي إكس» سيعود لمستوياته الطبيعية.
إذا كانت هناك كائنات فضائية تعيش بيننا بالفعل، إذن لا يبدو أنها عاقدة العزم على التأثير على مجرى أحداث عالمنا، فهي لم تدمرنا ولم تنقذنا مثلاً من خلال إمدادنا بعلاج للسرطان أو تحقيق السلام العالمي. أما مركباتهم، إذا كانت هي تلك حقاً التي رأيناها في السماء، تسارع إلى الفرار بمجرد اقتراب طائراتنا منها. وحتى لو اعتنقت وجهة النظر المتطرفة القائلة بأن ثمة مليون كائن فضائي يعيشون أسفل المحيط - فهل سيؤثر ذلك على توقعات بورصة «وول ستريت جورنال» فيما يخص عدد أجهزة «آيفون» التي ستباع العام المقبل؟
في الواقع يبدو الاحتمال الأكثر منطقية أنه إذا كانت الأجسام الطائرة المجهولة تنتمي إلى أصل فضائي غريب عنا بالفعل، فإنها لن تعدو كونها مجسمات تطير دونما طيار ومزودة ببرامج متقدمة للمراقبة جرت برمجتها على تنفيذ أعمال مراقبة والابتعاد بمجرد أن يقترب منها شيء - الأمر الذي يشبه إلى حد بعيد استخدامنا الطائرات من دون طيار في مراقبة الطبيعة وتسجيل مشاهد منها.
والآن، إذا أيقنت أنك مراقب، ما الأمر الذي ستود شراء المزيد منه؟ هنا أراهن على ارتفاع مخزونات المواد الدفاعية، بغض النظر عما إذا كان هناك ما يمكننا فعله لحماية أنفسنا من وجود كائنات فضائية.
وبطبيعة الحال، ليس بمقدور المستثمرين التأكد من أن الأجسام الفضائية الطائرة ستظل تراقبنا إلى الأبد، فربما كانوا يراقبوننا لفترة مؤقتة لإصدار حكم بشأننا. وإذا ما شعروا بالضيق بسبب نزعاتنا العسكرية أو مستوى برامجنا التلفزيونية، فإنهم قد يمحوننا من الوجود. بيد أن هذا النمط من المخاطرة من الصعب التأمين ضده، فبعد إنجاز هذا المحو لن يجدي الذهب ولا «البيتكوين» أدنى نفع.
يدور توقعي الرئيسي حول أن الأجسام الطائرة المجهولة ستدعم صعود الدولار بقوة. ويبدو أنه لسبب ما تبدو حكومة الولايات المتحدة مرتبطة على نحو وثيق بالأجسام الطائرة المجهولة. على أي حال، إذا زادت احتمالية وجود أجسام طائرة مجهولة قادمة من الفضاء، فإن ميزة المعلومات هنا ستنسب إلى الحكومة الفيدرالية، في وقت يتميز الدولار بالفعل بتقليد الاعتماد عليه كعملة تشكل ملاذاً آمناً.
وأتوقع أن تنتشر العديد من الأسواق الصغيرة المرتبطة بالوجود الفضائي المحتمل، وتتشكل ديانات صغيرة حول الكائنات الفضائية المفترضة، وسيسوّق أنصار هذه الديانات لرموز تعبدية وقمصان مميزة. وسيتوافد مزيد من السياح على المناطق التي من المفترض أن الكائنات الفضائية تتسكع بها. وربما تنشط عملية بيع مقاطع فيديو تتعلق بالكائنات الفضائية المزعومة تبدو أكثر إقناعاً. وربما يتطلع آخرون للاحتفال والمجازفة بدرجة أكبر، ربما في لاس فيغاس وميامي ونيوأورليانز.
وربما يجري تقديم عروض «مورك آند مايندي» من جديد، في الوقت الذي ستبدي هوليوود اهتمامها بتقديم أعمال فنية عن الفضاء. الأهم عن ذلك كله، أن الفضائيين سيكونون مسليين، ومأساويين بعض الأحيان، وسيبقون في وعينا، لكنهم في الوقت ذاته سيشكلون عالماً أخلاقياً منفصلاً تماماً، وسيظلون بمنأى عن معظم اهتماماتنا اليومية العملية.
جدير بالذكر هنا، أن معظمنا اعتاد بالفعل على فكرة وجود كائنات فضائية من دون الإيمان بها تماماً. ومثلما أوضحت «ذي نيويوكر»، فإن غالبية الأميركيين صدقوا وجود أجسام غريبة قادمة من الفضاء بعد الحرب العالمية الثانية، مثلما كان الحال مع العديد من صانعي السياسات الأميركيين. ورغم أن هذا الأمر ربما أثار اهتمام أكبر ببرامج الفضاء ومواد الخيال العلمي، فإنه لم يؤثر على معظم جوانب الحياة الأميركية ولا يبدو أن له تأثيراً على الأسواق.
بوجه عام، عليك ألا تقلل أبداً من قدرة الأسواق، تماماً مثل البشر، على التكيف. الواضح أن «وول ستريت» بمقدورها إيجاد وسيلة لممارسة أعمالها التجارية مع أي كائن - حتى ولو كان فضائياً.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»