سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

فرسان البر وأمراء البحار: علم الأرصاد الجوية

وشرح ابن ماجد علم الأرصاد الجوية الخاص بالمحيط الهندي، ويكفيه استفادة البحارة العرب منه لقرون طويلة. ولم يكن لديه تفسير علمي لظاهرة الرياح الموسمية، وذلك ليس بالأمر المستغرب، خصوصاً أنه حتى اليوم لا يزال يشكل لغزاً للعلماء: كل ما نعرفه هو أن هذه الرياح الموسمية سببها الظروف المناخية في جنوب آسيا. تدل إحدى النظريات على أن درجات الحرارة المرتفعة في أثناء فصل الصيف في الهند تدفع الهواء إلى الارتفاع فوق شبه القارة، ما يخلق فراغاً يسحب الرياح بسرعة من المحيط الهندي. وكذلك، درجات الحرارة المنخفضة في الشتاء الهندي تؤدي إلى رياح موسمية معاكسة من الهند إلى أفريقيا.
أما البرتغاليون، فتفاجأوا لسماع ذلك، لأنهم لم يكونوا يحبذون الإبحار في المراكب الشراعية العربية. فالأوروبيون لم يكونوا يدركون مزايا هذه المراكب في الملاحة البحرية، علماً بأن تلك المزايا كانت تضاهي مزايا سفنهم الكبيرة.
كان البرتغاليون قد بنوا أسطولهم بغية الإبحار حول القارة الأفريقية تحديداً، وكذلك كان العرب قد بنوا مراكبهم بهدف استخدامها في المحيط الهندي وبحر العرب. فهم كانوا بحاجة إلى مراكب صغيرة وخفيفة يستطيعون التحكم فيها بسهولة، ما يعني أن الحل لمشكلتهم هذه ما هو إلا المركب الشراعي.
ويصنع المركب الشراعي عادة من خشب جوز الهند أو الساج، وهي من أصلب الأخشاب وأكثرها استدامة، ما يجعل هذا المركب يصلح لخوض أمواج المحيط الهندي المعتدلة نسبياً. ومن جهة أخرى، يسمح وزنه الخفيف بالسفر بسرعة لينصرف من درب ظروف الطقس القاسية، فيما صمم شراعه المثلث الشكل ليستشعر أخف النسمات، وبذلك يغير بسهولة قدرة التحكم في السفينة في المياه الساحلية الغادرة. وعادة، تكون ألواح المركب مخيطة عوض أن تكون مثبتة بالمسامير، لأن المسامير لم تكن متوافرة في المنطقة العربية. ويثبت صانعو السفن الألواح ببراعة بعضها ببعض. وكذلك بالعارضة والأضلاع، مستخدمين الحبال. وكانوا يسدون بدن السفينة بطبقة سميكة من خليط زيت الحوت والزفت، ويطلون المركب بإحكام من أجل تجنب أي تسرب للمياه إلى داخله، حتى إنه كان من الممكن نقل البضائع المعرضة للتلف على متنه بكل أمان. ويقدر ثمن المركب الشراعي بأمد تشغيله. ورغم أن المركب كان قديماً في عصر دا غاما، فلا يزال موجوداً إلى يومنا هذا. بالإضافة إلى ذلك، كان العرب يعرفون كيف يستفيدون من مراكبهم إلى أقصى الحدود. فهم كانوا علماء بحار حقيقيين، وخبراء في الملاحة، وعلم الأرصاد الجوية، والجغرافيا، ويبرعون في الاستفادة من ظروف الملاحة الجيدة وفقاً لجدول موسمي منتظم. وبالتالي، فإن مراكبهم لم تكن تقع ضحية ضربات المحيط الهائج التي كانت تدمر سفن البحارة الأقل براعة، منهم مثلاً من لا يدرك متى تكون الرياح الموسمية على وشك التبدل.
ولعل طاقم دا غاما استغرب فكرة الإبحار إلى الهند في مركبٍ شراعي، على عكس أحمد ابن ماجد، الذي أمتع معارفه الجدد بقصص البحار التي رآها العرب من على متن سفنهم، والتي شهد عليها هو بنفسه.
إلى اللقاء...