كان من أوائل الأعمال المهمة للرئيس جوزيف بايدن في السياسة الخارجية، استضافته قمة زعماء العالم خلال الأسبوع الماضي بشأن التغيرات المناخية. ولقد تقدم الرئيس الأميركي ببعض التعهدات المهمة، مثل الإقلال من الانبعاثات الكربونية بنسبة 50 في المائة في الولايات المتحدة بحلول عام 2030. وعلى مدار السنوات الماضية، كنا قد استمعنا إلى الكثير من الأحاديث من تيار اليسار الأميركي حول ضرورة مواجهة التغيرات المناخية العالمية، مع تحويل الاقتصاد الأميركي ابتعاداً عن مصادر الوقود الأحفوري. ومن المعقول في هذا السياق طرح التساؤل عما إذا كانت الحكومة الأميركية أكثر جدية في هذه المرة عن سابقاتها. لم يكلف الرئيس الأسبق دونالد ترمب نفسه مجرد الاعتراف بوجود مشكلة التغيرات المناخية من الأساس. أما بالنسبة إلى الرئيس أوباما، فكانت التغيرات المناخية من الحقائق المعروفة، غير أنه لم يؤكد على تلك الحقيقة في الكثير من خطاباته العامة. لكن بالنسبة إلى الرئيس الحالي بايدن، فإن التغيرات المناخية من الأمور الحيوية بالنسبة إليه وإلى فريقه الرئاسي.
وفي واشنطن، إن تفحصت المناصب الرئيسية والشخصيات التي تشغلها، فسوف تتمكن من إدراك ما سوف تكون عليه أولويات المرحلة المقبلة. ففي الإدارة الأميركية الحالية بمجلس وزرائها المعروف هناك مسؤولون كانوا من قبل يشغلون المناصب في قطاعات مهمة مثل الطاقة النظيفة، وتمويلات القطاع الخاص للابتكارات في مجال الطاقة، فضلاً عن جماعات الضغط المعنية بوقف الاستهلاك الأميركي الكبير من الوقود الأحفوري. كما أن زوجة أحد كبار مستشاري الرئيس بايدن تعمل صحافية محررة للتقارير الإخبارية ذات الصلة بالتغيرات المناخية المهمة.
لذلك؛ ليس من المستغرب أن يكون هدف الرئيس بايدن المتمثل في الإقلال بنسبة 50 في المائة من الانبعاثات الكربونية الأميركية بحلول عام 2030 يشكل ضعف الهدف المعتمد لدى إدارة الرئيس أوباما في مؤتمر معاهدة باريس المناخية لعام 2015. لم يُفصح الرئيس بايدن عن الكثير من تفاصيل خطته، غير أن تحليلاً صادراً عن مركز الاستدامة العالمي التابع لجامعة ماريلاند في الشهر الماضي قد توقع أنه من الممكن تحقيق الهدف المعلن من الرئيس بايدن. ومن الخطوات الرئيسية على هذا المسار هي التحويل في قطاعات الكهرباء والنقل. إذ لا بد لقطاع الكهرباء التوقف عن العمل بالفحم، مع الإقلال من استخدام الغاز الطبيعي، وعوضاً عن ذلك الانتقال إلى زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمقدار أربعة أضعاف بحلول عام 2030. وعلى نحو مماثل، لا بد من إحداث تغيرات في قطاع النقل الأميركي بشكل كبير. إذ لا بد لثلث السيارات الجديدة في الولايات المتحدة أن تعمل بالكهرباء بحلول عام 2030 تحقيقاً لهدف الرئيس بايدن.
من الجدير بالذكر، أن وزيرة الطاقة الأميركية الجديدة السيدة جينيفر غرانهولم كانت حاكمة ولاية ميشيغان قبل ذلك، وهي مركز صناعة السيارات في الولايات المتحدة؛ إذ تنتج هذه الولاية بالفعل ثلث بطاريات الطاقة المتجددة التي تُباع في البلاد. ويباشر أكثر من 100 ألف عامل في ميشيغان أعمالهم في صناعات الطاقة النظيفة. ومن المفيد أيضاً أن نذكر في السياق نفسه، أن وزير النقل السيد بيتر بوتيغيغ ينتمي إلى جيل من الشباب الذين استحدثوا التدابير الكبيرة في وقف التغيرات المناخية خلال الحملة الرئاسية للسيد جوزيف بايدن خلال العام الماضي، سيما وأن الوزيرين المذكورين يسيطران على كمية هائلة من الأموال الحكومية المصممة لتشجيع الابتكارات التكنولوجية في تلك القطاعات، وهما معنيان تماما باستغلالها.
كما بدأ الرأي العام في الولايات المتحدة في التغير أيضاً بشأن مشكلة الاحتباس الحراري. إذ قال ثلثا المواطنين الأميركيين الذين شملهم استطلاع للرأي بهذا الخصوص أنه ينبغي على الحكومة الأميركية بذل المزيد من الجهود في مواجهة التغيرات المناخية، وذلك وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة «بيو» البحثية في فبراير (شباط) من عام 2020. وبالإضافة إلى ناخبي الحزب الديمقراطي الحاكم، يرغب تيار الجمهوريين الوسطيين في أن تتخذ الحكومة الأميركية المزيد من الخطوات على هذا المسار. ويستغل الحزب الديمقراطي استطلاعات الرأي المماثلة والعاكسة للرأي العام في البلاد. ولقد تقدم الحزب الديمقراطي في الأسبوع الماضي بمشاريع قوانين جديدة أمام الكونغرس تُعنى بتغيير قوانين ولوائح الضرائب الأميركية بهدف منح المحفزات المالية الكبيرة للمستهلكين لحثهم على شراء السيارات العاملة بالكهرباء، وتحويل أنظمة المنازل من التسخين بالنفط والغاز إلى العمل بالطاقة الشمسية. وأثناء التفكير في الولايات المتحدة والتغيرات المناخية في العام الحالي، لا بد من الأخذ في الحسبان ما يلي: بدأت شركة «إكسون موبيل» النفطية العملاقة، مع معهد البترول الأميركي، واتحاد شركات الصناعات النفطية والغاز، في دعم الضرائب المفروضة على الوقود الأحفوري، على الرغم من أن هذه الضريبة سوف تخفض من استخدام تلك المنتجات مع مرور الوقت. كما تتحرك شركات صناعة السيارات الأميركية الكبرى، مثل جنرال موتورز وفورد، على طريق اتخاذ الإجراءات السريعة الرامية إلى التغيير في قطاع النقل الأميركي بأسره.
وعلى الرغم من الرأي العام الأميركي، لا تزال سياسات العاصمة واشنطن صعبة للغاية بالنسبة للرئيس بايدن. إذ يتساءل الجمهوريون في الكونغرس عن جدوى تحمل الأعباء الثقيلة للتحولات في الطاقة في الآونة التي لا تزال الانبعاثات الكربونية مرتفعة للغاية في بدل خصم مثل الصين. كما يعارض الأعضاء الجمهوريون كذلك إنفاق المزيد من الأموال الحكومية الضخمة على مشروعات الطاقة المتجددة في البلاد ضمن برنامج الرئيس بايدن الجديد للبنية التحتية الأميركية، والذي يرغب في موافقة الكونغرس على تأمين مبلغ تريليونَي دولار حتى يتمكن من البدء فيه. كما أن هناك مشكلة سياسية أخرى في مواجهة الرئيس بايدن، ألا وهي رواتب العاملين في قطاع النفط والتي تفوق بكثير سواهم من العاملين في قطاعات أخرى مثل الطاقة الشمسية. وتشعر النقابات العمالية الأميركية، وهي تشكل جزءاً مهماً للغاية من القاعدة الانتخابية للرئيس بايدن، بتوتر واضح إزاء المستقبل، مع استغلال واضح من جانب الحزب الجمهوري لهذه المخاوف والتوترات. ويحاول الرئيس بايدن إقناع النقابات العمالية بقبول التحولات الاقتصادية الجديدة على وعود بأن صناعة السيارات الكهربائية وبناء المنازل الموافقة لحلول الطاقة النظيفة سوف تخلق المزيد من فرص العمل الجيدة للمواطنين. ومن الواضح تماماً أنه على الرغم من الصعوبات الراهنة، سوف يتخذ فريق بايدن الرئاسي المزيد من التدابير بأكثر مما فعل الرئيس باراك أوباما وفريقه السابق في تحويل اقتصاد الولايات المتحدة من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة. ولسوف تتسارع عجلة التحويل الاقتصادي. ولقد حذر رئيس إحدى النقابات العمالية، ممن يؤيدون الرئيس بايدن، في مؤتمر صحافي في الأسبوع الماضي قائلاً «لا توجد وظائف لأحد على كوكب ميت».
8:2 دقيقه
TT
التغير المناخي من أولويات الرئيس بايدن
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة