تتواصل أخبار الدنمارك عن عمليات إلغاء إقامات سوريين لاجئين إليها، والتوجه نحو ترحيلهم إلى سوريا، بحجة أن بعض المناطق الخاضعة لنظام الأسد باتت آمنة، بالتالي فإنهم لم يعودوا بحاجة إلى الحماية الإنسانية، التي توفرت لهم في الأعوام الماضية، وقد أثارت إجراءات الحكومة الدنماركية ردات فعل واسعة، تجاوزت حدود المستهدفين من اللاجئين السوريين إلى أوساط سياسية وشعبية، انقسمت ما بين مؤيدين للإجراء ومعارضين له، وهو موقف يتكرر في المستوى الأوروبي، خلافاً لردة الفعل التي أظهرتها منظمة «هيومان رايتس ووتش» والأمم المتحدة، ووصفت الأخيرة الإجراء الدنماركي بأنه «يفتقر إلى المبرر».
الجذر الأساسي في موقف الحكومة يعود في أحد جوانبه إلى أن الدنمارك لم تمنح من وصل إليها من السوريين منذ عام 2015 سوى إقامات مؤقتة خاضعة للتجديد على أمل وقف تلك الإقامات، وترحيل أصحابها إلى سوريا في حال الوصول إلى حل يوقف العنف ويوفر فرصة لعيش آمن، لكن الأهم مما سبق في جملة أسباب الإجراء، يبدو في تصاعد الروح الأوروبية ضد اللاجئين، ومنهم السوريون، الذين تزايدت في الأعوام الأخيرة النزعات المناهضة لوجودهم حتى في بلدان اتخذ موقفها الرسمي طابع الترحيب بمجيء اللاجئين مثل ألمانيا وفرنسا، وعبر هذا الاتجاه عن نفسه في ثلاثة مستويات؛ أولها على مستوى بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث ظهرت مواقف حكومية وحزبية في مؤسسات الاتحاد، تحمل اختلافات إزاء اللاجئين، جرى التعامل معها وتمريرها بطرق متعددة حفاظاً على سياسة موحدة للاتحاد، والثاني في مستوى السياسات الحكومية في كل بلد، الأمر الذي أعطى الدول الأوروبية فرص اتباع سياسات مختلفة، إن لم نقل متناقضة، والثالث امتداد التناقض في السياسات والمواقف إلى المستويين السياسي والشعبي في أغلب البلدان، إذ تعالت أصوات بعض الأحزاب والجماعات السياسية، خصوصاً اليمينية والعنصرية ضد اللاجئين، وظهرت ممارسات عنصرية في أوساط شعبية، رأى جزء منها أن اللاجئين يحصلون على فرص العيش؛ تحظى بمساعدات مالية وخدمات في التعليم والصحة وغيرهما، يتم صرفها من أموال الضرائب، التي يعتقدون أنهم الأحق بها.
وسط تلك المعطيات، تتوالى خطوات حكومة الدنمارك في موضوع ترحيل اللاجئين، وفق سيناريو، يعتمد ثلاث نقاط؛ أولها الإبقاء على حالة الإقامة المؤقتة لعموم اللاجئين، وهو أمر يجري تطبيقه من عام 2015 على الجميع، بما فيهم الأشخاص الذين ذهبوا نحو اندماج كامل في الحياة الدنماركية عبر تعلم اللغة، والانخراط في سوق العمل، ودفع الضرائب، أو الانتظام في التعليم، والنقطة الثانية في السيناريو، تتمثل في إعادة دراسة ملفات اللاجئين للتدقيق في أي معطى شخصي أو موضوعي يمكن أن يكون سبباً في سحب الإقامة، وترحيل حاملها، ووفق هذا الخط جرى حرمان أربع وتسعين سوريّاً من تصاريح الإقامة لعام 2020 من أصل مائتين وثلاث وسبعين حالة، جرت دراستها كل على حدة، حسب تقرير أصدرته وكالة الهجرة الدنماركية في يناير (كانون الثاني) الماضي، والنقطة الثالثة في السيناريو، تبنت فكرة تجميع اللاجئين المقرر ترحيلهم إلى سوريا في جزيرة معزولة بانتظار فتح خط مع نظام الأسد، يساعد في تنفيذ الإجراء وتصعيده ليشمل آخرين.
خطورة ما يجري في الدنمارك لا تستند إلى حجم اللاجئين السوريين في هذا البلد، حيث تبين التقديرات أن عددهم لا يزيد عن اثنين وعشرين ألف نسمة، ولا تتصل خطورتها بعدد الأشخاص الذين قد يطالهم الترحيل، وهي عملية طويلة ومعقدة قد ينتج عنها مئات أو آلاف ليس إلا. بل خطورة ما يجري أنه يشكل سابقة أوروبية في خرق القانون الدولي والقوانين الأوروبية في إكراه أشخاص على المغادرة، ويمثل تخلياً واعتداءً على قيم تبناها العالم، تتصل بحقوق الإنسان والحرية والعدالة، واستند إليها في رسم ملامح المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية.
وثمة نقطة لا تقل أهمية عما سبق، وهي أن التجربة الدنماركية في ترحيل اللاجئين، إذا تم تمريرها، فإنها تكرس سابقة أوروبية وعالمية تعلن العجز عن معاقبة المجرمين الذين يرتكبون جرائم التغيير الديموغرافي وتهجير الشعوب بقوة السلاح، وتجعل الأوروبيين والعالم كله يحملون الضحايا جرائم المجرمين، ويجعلونهم يدفعون ثمن جرائم الأخيرين أضعافاً.
TT
السوريون في تجربة دنماركية!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة