أندرياس كلوث
خدمة «بلومبيرغ»
TT

المشهد السياسي الألماني رأساً على عقب

تبدو واحدة من النتائج الممكنة للانتخابات الفيدرالية المقررة في ألمانيا في 26 سبتمبر (أيلول) محتملة للغاية بالفعل، ذلك أن سيدة ذات ثقل فكري ومهارات باهرة في الوثب، لكن دونما خبرة حكومية، ستتولى إما منصب مستشارة ألمانيا وإما نائبة المستشار.
هذه السيدة هي أنالينا بابوك، وهي واحدة من شخصيتين قياديتين داخل حزب الخضر المعني بالبيئة، ورشحها الحزب هذا الأسبوع لخلافة أنجيلا ميركل.
الحقيقة أن مجرد التعامل مع فكرة إمكانية تولي بابوك منصب مستشارة ألمانيا باعتباره أمراً محتملاً يعد أمراً مدهشاً في حد ذاته، خاصة أن حزبها تأسس 1980، العام الذي ولدت فيه. وعلى مدار سنوات، لم ينظر إلى حزب الخضر بجدية. ومع ذلك، نجد حزب الخضر اليوم مستقراً وراسخاً في الوسط السياسي لأكبر اقتصادات أوروبا.
وبعد أن فاز بأقل عن 9 في المائة من الأصوات في انتخابات 2017 تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن نسبة دعمه تتجاوز الـ20 في المائة، ما يجعل منه ثاني أكبر حزب سياسي بالبلاد بعد التكتل المحافظ. الأهم عن ذلك، أن هذه المكانة تجعل حزب الخضر عنصراً يتعذر الاستغناء عنه في إطار جهود تشكيل الائتلاف القادم. وتشير الاحتمالات إلى أنهم إما سيقودون الحكومة إلى جانب أحزاب أخرى، مع تولي بابوك منصب المستشارة، وإما أنهم سيشكلون شركاء أصغر للمحافظين، مع حلول بابوك في المرتبة الثانية لتتولى منصب نائبة المستشار.
ما يزيد الوضع الراهن غرابة أن المحافظين في ألمانيا شرعوا على نحو غير متوقع في التصرف على نحو يخالف الصورة السائدة عنهم، ذلك أنه لطالما عرف عنهم الانضباط والتركيز على الفوز. وخرج من تحت عباءتهم خمسة مستشارين منذ عام 1949 حكموا ألمانيا على امتداد 52 عاماً من إجمالي 72 عاماً، منها 16 عاماً تحت قيادة ميركل. إلا أن ميركل في طريقها للتقاعد في وقت لاحق من العام، وبدلاً عن إجراء عملية خلافة منظمة، يتصارع رجلان عنيدان على شرف خلافة ميركل.
وجرت العادة على تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، كتلة واحدة داخل البرلمان الفيدرالي وتقدمهما بمرشح مشترك لمنصب المستشار. وتبعاً للعرف المتبع، من المفترض أن يتفق الطرفان على المرشح المشترك بينهما بصورة ودية. على سبيل المثال، تنازلت ميركل عن ترشحها لمنصب المستشار عام 2002 لصالح مرشح عن الاتحاد الاجتماعي المسيحي قبل أن تترشح عام 2005 وما بعدها. ومع ذلك، انهارت هذه العملية هذه المرة وكشفت عن مشاعر كراهية خفية بين الجانبين.
من جانبه، يرى لاشيت أنه باعتباره زعيم «الشقيقة» الكبرى، فإنه ينبغي أن يكون المرشح. كان لاشيت قد تولى رئاسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في يناير (كانون الثاني) بعد نضال شديد. ويخشى لاشيت من أن يبدو أشبه بسياسي دونما سلطة حقيقية إذا ما خسر الترشح لمنصب مستشار البلاد.
أما سودر، فاعترض على هذه الحجة بالإشارة إلى استطلاعات الرأي التي تجعله يبدو فائزاً، بينما يبدو لاشيت خاسراً. وإذا كان باستطاعة الألمان انتخاب المستشار بصورة مباشرة، فإن مسحاً أجرته مؤسسة «فورسا» كشف أن سودر سيفوز على بابوك بنسبة 40 في المائة إلى 23 في المائة، بينما سيخسر لاشيت أمامها بنسبة 19 في المائة مقابل 23 في المائة.
ومع تفاقم هذه المواجهة وتهديدها بإحداث شرخ في جدار المعسكر المحافظ، لمح سودر نهاية الأمر إلى أنه سيقبل القرار النهائي الذي تصل إليه قيادات الاتحاد المسيحي الديمقراطي هذا الأسبوع. بعد ذلك، جدد الديمقراطيون المسيحيون على مضض دعمهم للاشيت.
على الجهة المقابلة، يسعى الخضر لاستغلال هذا الموقف بأقصى صورة ممكنة. فيما مضى، غالباً ما كان الخضر هم من يسقطون في هوة الاقتتال والتشاحن الداخلي. أما هذه المرة، من الواضح أن بابوك وشريكها في قيادة الحزب روبرت هابيك، روائي وصاحب خبرة في الحكومة الإقليمية، اتفقا فيما بينهما ـ وبشكل ودي ـ على من منهما سيحمل شعلة الحزب.
ينبغي أن يبقي الخضر على خيارات الدخول في ائتلافات مفتوحة على جميع أحزاب الوسط الأخرى، من المحافظين إلى الديمقراطيين الاجتماعيين المنتمين ليسار الوسط والديمقراطيين الأحرار الداعمين للنشاط التجاري. ومع ذلك، يتعين عليهم استبعاد فكرة الدخول في أي تحالف مع اليسار المتمثل في الاشتراكيين الراديكاليين المتحدرين في الجزء الأكبر منهم عن النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية.