زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

سحر الفراعنة القاتل!

وصف المولى عز وجل في كتابه الكريم السحر عند الفراعنة بأنه عظيم! نعم.. كان السحر علمًا، أو فلنقُل فنًّا من فنون الفراعنة والحضارة المصرية القديمة. وإلى يومنا هذا تم تأليف عشرات الكتب عن «السحر عند الفراعنة»، فهذا العنوان تجده على مؤلفات بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات كثير. ولكن إلى الآن لم نجد من يشرح لنا طبيعة أو ماهية السحر عند الفراعنة، وبعد ما يقرب من أربعين عاما من العمل بمقابر الفراعنة ومعابدهم ومساكنهم، أستطيع القول إن السحر بدأ في مصر القديمة منذ عصور سحيقة سبقت معرفتهم للكتابة التي عرفوها قبل 5200 سنة. وإذا كنا لا نعرف اسم الساحر المصري الأول فيمكننا القول إن طبقة معينة من الكهنة يطلق عليهم اسم الكهنة المرتلين أو «غريو حب» باللغة المصرية القديمة هم من اختصوا بممارسة السحر. أما عن طبيعة وماهية السحر فلم يكن مجرد طقوس وهمية للتأثير على المشاهد وإيهامه بأمور ليس لها وجود! بل بالفعل وصل السحرة الفراعنة إلى معرفة بعلوم ما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا. تمكن السحرة من استجلاب قوى خفية توجد حولنا وفي الأشياء سواء الجماد أو الحي. وكان التحكم بقوى ما بعد الطبيعة علما سرّيا لم ينقله السحرة إلا بشروط وعهود ومواثيق ولم يكن في استطاعة أي شخص أن يكون ساحرا، ولا نعرف شروط انتقاء السحرة وإن كنا نعرف أنهم تعلموا بالمعابد. إن تحويل الجماد إلى كائن حي مفترس يخبرنا به القرآن الكريم، وكذلك أوراق البردي، ففي قصة مثيرة نجد كاهنا مصريا يكتشف خيانة زوجته له مع شاب فتي، فما كان منه إلا أن صنع تمساحا صغيرا من الشمع وانتظر حتى نزل الشاب إلى المسبح ليغتسل فألقى الكاهن تمساح الشمع في المسبح وقرأ عليه تعويذته السحرية فتحول التمساح الشمعي إلى تمساح مفترس فتك بالعاشق.
نحتاج فقط إلى زيارة المقابر الموجودة بمنطقة الهرم وسقارة، التي تعود إلى الدولة القديمة، أي إلى ما يقرب من 4500 سنة.. هناك نجد نقوشا هيروغليفية من لعنات وتهديدات على جدران ومداخل المقابر، وقد كُتبت هذه اللعنات رغبة من المتوفى في إبعاد اللصوص عن هذه المقابر حفاظا على الجسد المحنط الذي تتعرف عليه الروح من جديد في العالم الآخر. فكان السحر وسيلة دفاع فعالة عن المقبرة وكنوزها. وقد كشفت عن مقبرة لأحد الفنانين ويدعى «بتتي» داخل مقابر العمال بناة الأهرام، وقد بنى هذه المقبرة من الطوب اللبِن له ولزَوجته.. وفي مقصورة هذه المقبرة يوجد نقشان سحريان مختلفان، واحد لـ«تتي» والآخر لزَوجته. أما النص فيقول: «يا كل الناس، كاهن الإلهة حاتحور سيضرب كل من يدخل هذه المقبرة ليمسها بضر، وكل من يفعل شيئا ضدها سوف تلتهمه التماسيح وتفترسه أفراس النهر في المياه، والثعابين والأسود في الأرض». وهناك مقبرة أخرى بسقارة على مدخلها نقش يقول فيه صاحبها: «كل من يمس مقبرتي بسوء سوف أنتزع رقبته مثل الإوزة». ولدينا نقش يرجع إلى العصر اليوناني خاص بالمدعو بيتوزيريس، يرجوا زوار مقبرته أن يؤدوا له الطقوس الدينية بالشكل السليم بدلا من التعدي عليها، ويهدد من يفعل السوء بالعقاب الصارم، وذكر أنه إذا لم تتم معاقبة المعتدين في الأرض سيتم عقابهم في العالم الآخر بعد الموت. ومن أجمل ما عثر عليه هو أن مدخل أحد المقابر عثر به على شخص واقف وفي يده عصا كبيرة يشير إلى ضرب أي شخص سوف يؤذي المقبرة.
ومن أشهر قصص السحر والسحرة بردية «خوفو والسحرة»، عندما جاء ابن الملك خوفو (صاحب الهرم الأكبر) بالساحر «جدي» الذي كان يعيش في مدينة «حد سنفرو» ويبلغ من العمر مائة عام، وسأله خوفو عن حقيقة ما سمعه أن «جدي» يمكن أن يقطع رأس إنسان ويعيدها مرة أخرى، وأجاب الساحر بنعم، وطلب منه الملك أن يفعل ذلك فرفض الساحر وقال: «أنا لا أفعل ذلك في إنسان»، وقال الملك: «سوف أحضر سجينا»، وقال الساحر: «إن السجين إنسان»، ولذلك أحضر له إوزة وطارت رقبتها في السماء وسط دهشة الحاضرين ثم أعاد رقبة الإوزة مرة أخرى لتجري أمام الحاضرين.