يحب الرئيس جوزيف بايدن إنفاق الأموال. ففي الشهر الماضي وحده، وقّع على خطة الإغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار، بهدف تحفير الاقتصاد الأميركي. والآن، يحاول الدفع بخطة جديدة للوظائف الأميركية، تبلغ قيمتها تريليوني دولار لإعادة بناء البنية التحتية في البلاد. كما أنه يتعهد بمتابعة تلك الخطط جنباً إلى جنب مع خطة العائلات الأميركية المعنية بتحسين الرعاية الصحية، ورعاية الأطفال، والتعليم، والتي قد تكلف عدة بلايين، أو ربما تريليونات من الدولارات.
وعليه، كلما حاول الرئيس بايدن إنفاق مزيد من الأموال، كلما ارتفعت أصوات النقاد الذين يتساءلون من أين له الحصول على هذه الأموال الهائلة؟ إنه يقترض الأموال من أجل التحفيز الاقتصادي. ويريد من الشركات أن تتحمل نفقات مشروعات البنية التحتية الجديدة في البلاد. ومع كل معركة تشريعية جديدة، تتزايد صعوبات العثور على الأموال للحكومة. وكل ذلك يثير بدوره سؤالاً مهماً؛ هل سيحاول الرئيس بايدن تخفيض الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة؟
تشير التقارير الأولية إلى أن الميزانية الأولى لإدارة الرئيس بايدن، المتوقع طرحها في وقت لاحق من ربيع العام الحالي، ربما لا ينخفض فيها الإنفاق العسكري على الإطلاق. وهذا من الملاحظات اللافتة للنظر، على اعتبار أن الميزانية العسكرية الأميركية اليوم، بعد ضبطها وفقاً للتضخم الراهن، هي أكبر بكثير من متوسط الميزانية الدفاعية للبلاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفقاً لمركز السياسات الدولية.
ولا يعني ذلك أنه لن تكون هناك مواطن لتخفيض الميزانية الدفاعية. وتبقى وزارة الدفاع الأميركية هي الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي لم تخضع لأي تدقيق محاسبي على الإطلاق.
يمكن للرئيس بايدن أيضاً توفير كثير من المبالغ الكبيرة على الأسلحة النووية. إذ يخطط الجيش الأميركي، خلال السنوات المقبلة، إلى تطوير وشراء أكثر من 600 صاروخ نووي جديد بتكلفة مقدرة تفوق 100 مليار دولار. ولكن، كما أوضحت السيدة إليزابيث إيفانز على نحو مفصل في دورية علماء الذرة، هذه الصواريخ النووية الجديدة ليست باهظة الثمن فحسب، وإنها هي بالغة الخطورة أيضاً. نظراً لأنها مصممة لإطلاق الصواريخ النووية الأميركية، في حين تكون صواريخ العدو النووية ما تزال في الجو، ويحذر وزير الدفاع الأميركي الأسبق ويليام بيري من أن تلك الصواريخ الجديدة ربما تساعد على اندلاع الحرب النووية العرضية. كما اقترح السيد بيري ضرورة التخلص التدريجي من الأسلحة النووية البرية في الترسانة الأميركية، مع الاعتماد عوضاً عنها على قوة الردع النووي الجوية والبحرية الأكثر أماناً. وإذا ما اعتمد الرئيس بايدن نصيحة السيد ويليام بيري، فسوف يتمكن من توفير كثير من الأموال التي تكفي لتجهيز اللقاحات لعدد 50 إلى 100 فيروس، من المحتمل أن يتسببوا في الجائحة التالية.
يزعم المدافعون عن الميزانية الدفاعية الأميركية الضخمة أنها تساعد في توفير فرص العمل للمواطنين. غير أن الدراسات الأكاديمية كشفت أنها تقوم بذلك بدرجة أقل كفاءة وفعالية من الاستثمار الحكومي المكافئ في قطاعات التعليم، والطاقة النظيفة، والنقل، والرعاية الصحية. كما يشدد صقور الدفاع أيضاً على أنه في غياب زيادة الإنفاق الدفاعي، سوف تفقد الولايات المتحدة ميزة التفوق العسكري الكبير. في عام 2018، حذرت إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترمب من أن الميزة العسكرية التنافسية للولايات المتحدة آخذة في التآكل على الصعيد العالمي، ولا سيما في ظل المساعي العسكرية المنافسة لدى الصين وروسيا. وفي جلسة تأكيد تعيين وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، قال إن القدرات العسكرية الصينية المتنامية باتت تشكل تحديات سريعة أمام الإدارة الأميركية.
تنفق الصين برغم ذلك أقل من ثلث إنفاق الولايات المتحدة على الدفاع، ولديها أقل من عُشر عدد الأسلحة النووية بالمقارنة. ومن شأن الجيش الصيني أن يباري الولايات المتحدة على الصعيد العسكري في الصراعات الجارية بالقرب من شواطئ الصين، لكن على الصعيد العالمي فإنَّ الصين تمثل تحدياً اقتصادياً أكبر بكثير. وتحقيقاً لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تستثمر بصورة كبيرة في التعليم، والتكنولوجيا الناشئة، وهي الاستثمارات نفسها التي سوف يتجاوزها الإنفاق العسكري، إن عاجلاً أم آجلاً. وتتنافس القوتان العظميان على الصعيد الآيديولوجي سواء بسواء، وتعمل الولايات المتحدة على تقويض جاذبية نظامها الديمقراطي بصورة خطيرة، ولا سيما في خضم الوباء الراهن، في الوقت الذي يثبت النظام الصيني قدرته على إبقاء المواطنين على قيد الحياة.
ومن بين تفسيرات تحفظ الرئيس بايدن الواضح، يكمن تحذير الرئيس الأسبق أيزنهاور من التأثير غير المبرر الذي يمكن للمجمع الصناعي العسكري الأميركي أن يحشده داخل مجالس الحكومة. ويظهر هذا التأثير بصورته الجلية داخل أروقة الكونغرس، إذ يعتمد كثير من المقاطعات على الإنفاق العسكري، حيث يشعر المشرعون بالثقل الذي يفرضه مبلغ 100 مليون دولار بصفة سنوية الذي تنفقه الصناعة الدفاعية الأميركية على حشد الأصوات وممارسة الضغوط.
غير أنَّ الدولارات لا ينبغي أن تكون قدراً أو مصيراً. على مدى السنوات العشر الماضية، أضعفت مجريات المعارضة المستمرة من القبضة التي تفرضها الصناعات القوية الأخرى داخل الحزب الديمقراطي. ونتيجة لحركات «احتلال»، و«حياة السود مهمة»، وغيرها من الحملات السياسية ذات الصبغة الشعبوية التي قادها السيناتور بيرني ساندرز وإليزابيث وارين، يبدو أن الأيام التي كان بإمكان رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة فيها أن يعين وزيراً للخزانة بسهولة من بنك غولدمان ساكس قد ولت أدراج الرياح. وعندما يتعلق الأمر بمقاولي الدفاع في الولايات المتحدة، لم تشهد وزارة الدفاع تحولاً مماثلاً. كذلك، قام الرئيس بايدن، وبأقل مستوى ممكن من الجدل، بتعيين الجنرال لويد أوستن على رأس وزارة الدفاع، وهو الذي خدم من قبل في مجلس إدارة شركة «رايثيون تكنولوجيز» الدفاعية الأميركية.
ولا يتعلق الأمر بالجنرال أوستن فحسب. إذ عمل نائب وزير الدفاع أيضاً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو عبارة عن مؤسسة بحثية، تضم من بين مموليها شركات دفاعية أميركية بارزة. من شاكلة؛ «نورثروب غرومان»، و«بوينغ»، و«لوكهيد مارتن». وكما لاحظت السيدة ماندي سميثبيرغر من مشروع الرقابة الحكومية، فإن هناك أكثر من 10 أعضاء في إدارة الرئيس بايدن، بما في ذلك كبير مستشاري آسيا في مجلس الأمن القومي، والمسؤول عن مراجعة الاستراتيجية الصينية في وزارة الدفاع، لهم روابط سابقة بمركز بحثي يسمى «القرن الأميركي الجديد»، وهو وفقاً لتقرير صادر عن مركز السياسات الدولية حصل على تمويل من مقاولي الدفاع في الولايات المتحدة بين عام 2014 و2019 أكثر مما حصلت عليه أي مؤسسة بحثية أخرى.
8:2 دقيقه
TT
هل تستطيع الولايات المتحدة تقليص ميزانيتها الدفاعية؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة