د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

العرب لا يُصَدِّرون إدارتهم!

لم يقدم العرب نظاماً إدارياً يستند إلى أساس علمي أو يمكن نقله لشعوب أخرى كنظام البيروقراطية الذي قدمه الألماني ماكس ويبر والذي اعتبر نقلة نوعية في الإدارة أو سكسيغما أو إدارة المخزون أو الإدارة الرشيقة lean التي قدمها اليابانيون وصرنا بفضلها ننعم بمنتجات مذهلة. وإن وجدت محاولات فإنها لا ترقى للتدريس في الجامعات كنظام إداري يحسن آلية العمل.
أسباب غياب نظام عربي تكمن في طبيعة الحياة البدائية التي كانوا يعيشونها، إضافة إلى بساطتها. كما أن «الحياة القبلية السائدة وطبيعة العمل التي تتطلب مقدرة على التحمل endurance، والكرم، والتلاحم الاجتماعي، كل ذلك لم يولد حاجة ماسة لوجود تفكير إداري متقدم»، كما يصفه ستيفن روبنز وآخرون في كتابه «الإدارة». وكذلك العلاقة العفوية بين رب العمل والعاملين معه كانت في غاية البساطة، فضلاً عن أمور مثل «العدالة والمساواة في بيئة العمل الصغيرة جداً لم تكن ذات أولوية في تلك العصور القديمة»، إضافة إلى بساطة المنتجات والخدمات، الأمر الذي لم يولد لديهم حاجة لنظام إداري يعالج مشاكلهم. وربما انتشار الأمية لفترة طويلة كان وراء تأخرنا كعرب.
وبعد تسارع وتيرة التعلم، والابتعاث الخارجي، صار لدينا متعلمون في شتى مناحي الحياة، وأصبحوا أمام نماذج إدارية أجنبية مجربة بعد الحرب العالمية الثانية، فما كان عليهم سوى إقناع متخذي القرار العرب بتطبيقها. ولنا في نظام الآيزو خير مثال، حيث صار لا يخلو منتج عربي متفوق من علامة الجودة التي جاءتنا من الأنظمة الإدارية اليابانية. وكذلك الحال مع نظام الإدارة الرشيقة الذي استوردناه من اليابانيين. والعجيب أن اليابان التي فُتن بها الناس قد طافت العالم في رحلاتها الشهيرة بدءاً من الشرق، ومروراً بالقاهرة، إلى الغرب لتجلب إلى بلدها الفقير بالموارد أفضل ما توصلت إليه الشعوب، وأضافت عليها ثقافتها الراسخة الشغوفة بالإتقان في كل شيء. ونحن كعرب أولى بالإتقان إذ ذكرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله «إن اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ».
ولنكن منصفين، فقد قدم العرب نظاماً مالياً قائماً على التعامل وفق الشريعة الإسلامية، لكنه ينطلق من فلسفة قيمية مثل المتاجرة، والإجارة، والمرابحة، والسلم وغيرها، وهي أنظمة أو حلول لكننا لا نستطيع تصديرها لمجتمعات غير مسلمة. ولا يمكننا أن نفاخر بها لأنها نابعة من تعاليم دينية. غير أن الأنظمة الإدارية المقصودة هي تلك التي نبعت من معاناة بشرية أو حاجة للتطوير تكون معها نظاماً إدارياً يمكن تطبيقه في شتى الميادين وليس مرتبطاً بعقائد محددة.
عدم اكتشاف نظام إداري عربي لا يعني اليأس، بل يجب أن يدفعنا نحو مزيد من البحث عن نظام يحسن من أدائنا ويساير ثقافتنا. وإن لم نجد فعلى أقل تقدير نطبق أفضل النظم الأجنبية لنقلص مساحة المزاجية ونتجنب إعادة اكتشاف العجلة في كل قرار.