كلارا فيريرا ماركيز
TT

كيفية مواجهة المشككين في اللقاح

إذا سألت أحد المارة في شوارع هونغ كونغ عما إذا كان أحدهم سوف يحصل على لقاح فيروس «كورونا»، أم لا، ربما تسمع إجابات من شاكلة: «أحياناً»، أو «ربما»، أو «كلا»، تماماً كما حدث معي من قبل.
إن محاربة هذا التردد والإحجام هنا وفي أي مكان آخر سوف يتطلب مزيداً من مجرد الوعظ، مع قدر من الانضباط.
إن مزيجاً من عدم الثقة الراسخ بالحكومة، مع الجهل الواضح، وعدم الإلحاح - في منطقة تنخفض فيها حالات الإصابة بفيروس «كورونا» - يعني أن هونغ كونغ تكافح الآن لتطعيم أكبر عدد ممكن من السكان. وخلال الأسبوع الجاري، عندما فتح الباب لمواعيد تلقي اللقاحات للمواطنين الذين تزيد أعمارهم على 30 عاماً، سارع عشرات الآلاف منا للحجز، والاختيار ما بين لقاح «سينوفاك بيوتك ليمتد» الصيني أو لقاح «فايزر بيو إن تك» الآخر. غير أن الكثيرين غيرهم، من أصل 5.5 مليون مواطن مؤهل ضمن تعداد السكان البالغ 7.5 مليون نسمة، لم يقدموا على هذه الخطوة.
توصف هونغ كونغ بالبيئة المثالية للعواصف الكاملة من الإشكاليات، حيث الاضطرابات السياسية الشديدة إلى تقارير عن 7 حالات وفيات بين أكثر من 160 ألف شخص حصلوا على لقاح «سينوفاك» الصيني، ما أثار حالة من عدم الارتياح، على الرغم من أن حالات الوفيات المذكورة لم يتم ربطها باللقاح نفسه. وحتى قبل إتاحة جرعات اللقاح على نطاق كبير، أشار الكثيرون إلى أنها سوف تتأخر عن الميعاد المحدد. غير أن المدينة ليست بمفردها في ذلك. فإن حالة التشكك والقلق قديمة قدم اللقاحات نفسها، وهي تطارد حتى رائد التطعيم إدوارد جينر، وتحوم تلك الحالة المزرية من شوارع العالم الثالث الخلفية البائسة إلى أرقى أحياء العواصم الأوروبية.
وهي ليست بالمشكلة التي يمكن تجاهلها؛ إذ تتراجع الآمال في عودة الأوضاع إلى طبيعتها، ناهيكم بهزيمة الفيروس الذي أودى بحياة 2.7 مليون شخص وأسفر عن شلل واسع في الاقتصاد حول العالم، وذلك حتى يتخذ عدد كافٍ من الناس الخطوة اللازمة لبلوغ حد المناعة الجماعية بنسبة ربما تزيد على 70 في المائة. وحتى النقص الطفيف في تحقيق هذه النسبة من شأنه أن يزيد من المعاناة في وفاة الناس وتكدير سبل المعيشة.
والنبأ السار يتمثل في أن التجربة قد علمتنا الكثير عن الحملات والمقاومة. وبالإضافة إلى ذلك، في حين أن أقل وصف لجائحة فيروس «كورونا» أنها كارثة عالمية، فإنها تمثل أيضاً فرصة ذهبية غير مسبوقة في تغيير الآراء والأفكار وإثبات قيمة اللقاحات وأهميتها، نظراً للأضرار الجمة التي لحقت بالصحة العامة.
أما الأنباء الأقل إيجابية فتتعلق بأن أسباب الشكوك متعددة ومعقدة. والمعلومات المضللة من بين هذه المشاكل: نعلم ذلك تماماً من واقع تجارب مشهودة مثل مقاطعة لقاح شلل الأطفال في نيجيريا في عامي 2003 و2004، أو الذعر من التطعيم ضد الدفتيريا، أو السعال الديكي، أو الكزاز في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. أما اليوم، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تعني أن عدداً متواضعاً للغاية من المعارضين للتطعيم يتحركون بسرعة عالية عبر مختلف غرف الدردشة على الإنترنت لمواجهة والتغلب على المترددين، ربما عن طريق بث دعاوى التشكيك ليس أكثر.
وكانت دراسة على «فيسبوك» قد أظهرت أن مجموعة فرعية صغيرة من المستخدمين كانت مسؤولة عن نشر أغلب المحتويات المثيرة للشكوك في اللقاحات، غير أن هناك كثيراً من المصادر الأخرى، بدءاً من انعدام الثقة بالسلطات إلى عوائق الرعاية الصحية، وحتى نعرات العنصرية البسيطة. وهناك تجارب أخرى تلقي بظلالها القاتمة، مثل تجربة توسكيجي للزهري، التي استمرت 40 عاماً، والتي حرمت الرجال السود في ولاية ألاباما الأميركية من التشخيص الطبي وتلقي العلاج المناسب.
جرى استطلاع للرأي بين 21 أكتوبر (تشرين الأول) و16 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020، تم فيه استطلاع رأي المشاركين حول هل سوف يتلقون لقاح فيروس «كورونا» عندما يتوافر، أم لا. واشتملت فئة «الحصول على اللقاح» على المشاركين الذين قالوا إنهم سوف يحصلون على اللقاح بكل تأكيد، أو على الأرجح. واشتمل الاستطلاع الأصلي على 32 دولة وإقليماً.
إنها قائمة طويلة للغاية لفيروس «كورونا»، حيث انتشرت المعلومات المضللة منذ البداية، وعززتها التوترات الجيوسياسية، وأجندات الاستقطاب المحلية، تماماً كما الحال في الولايات المتحدة، إذ قلل الرئيس السابق دونالد ترمب من التهديدات وغذى عوضاً عنها نظريات المؤامرة. كما كانت هناك حالة من الإنكار الواضح في بلدان مثل تركمانستان، حيث لم تبلغ السلطات عن وقوع حالات وفيات مؤكدة. كذلك في تنزانيا التي توقفت تماماً عن نشر البيانات ذات الصلة بالوباء منذ أبريل (نيسان) الماضي.
وأسفر الظهور السريع للقاحات عن زعزعة ثقة لدى كثير من الناس، وانعدام الوضوح بشأن الوقت المستغرق أو المخاطر المحتملة في مقابل الفوائد المرجحة. وقبل الرجوع عنه، يعد التوقف الأوروبي عن استخدام لقاح «أسترازينيكا» بسبب تقارير صحية تفيد بحدوث جلطات الدم عند الحصول عليه من الأمور المفهومة وإشارة إلى توخي مزيد من الحذر، غير أن أدلة الأمر الواقع تشير إلى أن اللقاحات آمنة. لكن، بمجرد زرع الشكوك في الأنفس، فمن الصعوبة البالغة إزالتها بعد ذلك.
وبطريقة من الطرق، من الغريب للغاية أن تثير اللقاحات كثيراً من الجدل. إن هناك عدداً أقل بكثير من الناس الذين يشعرون بمشاعر قوية تجاه أدوية الحساسية أو دواء السعال. وتربط هايدي لارسون، المديرة لمشروع الثقة باللقاح التابع لكلية لندن الصحية والطب الاستوائي وتواصل دراسة الشائعات، الأمر بمشاركة الحكومة والشركات الكبرى - تلك المؤسسات التي ترتفع فيها معدلات انعدام الثقة لدرجات عالية. وفي خطاب حديث لها، قالت لارسون إنها ليست مشكلة المعلومات بقدر ما أنها مشكلة علاقات. إن فقدان الثقة بالسلطات، كما الحال في هونغ كونغ أو لبنان، يعد من نقاط التشكك الساخنة للغاية، وتعني أن فئة قليلة من السكان سوف يخوضون غمار المخاطرة. وليس من قبيل المصادفة أن التشكك في اللقاحات كثيراً ما يتشابك مع الحوكمة السيئة والسياسات الشعبوية.
ومن الواضح والضروري أنه يتعين حجب المعلومات المضللة ذات الصلة باللقاحات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ولكن ذلك ليس حلاً ناجعاً في حد ذاته، بأكثر من الحصول على جرعة اللقاح نفسها - تلك الخطوة التي من شأنها زيادة حدة العداء، والاستقطاب، وإلحاق الأضرار بالجهود المستقبلية في مواجهة الوباء. إن مجرد إغلاق منافذ المتشككين هو من التكتيكات السيئة عندما يكون الإقصاء يشكل نصف المشكلة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»