تيلر كوين
TT

عندما يتعلق الأمر بالتطعيمات فإن المزيد هو الأفضل!

يقول الفلاسفة المعاصرون، من أمثال الفيلسوف الأسترالي بيتر سينغر، إنه ينبغي على الناس تحمل مسؤولياتهم والتزاماتهم تجاه فقراء العالم، وإنما بمزيد من الجدية والاهتمام. ومع ذلك، فإن أغلب الناس حول العالم يتابعون أحوال حياتهم بكل بساطة، وحتى إن أقدموا على التبرع بمبالغ كبيرة إلى الأعمال الخيرية، فإن تلك التبرعات لا ترقى إلى ما يساوي نصف دخلهم على الإطلاق. وسواء للأفضل أو للأسوأ، فإن أخلاقيات الفطرة والحس السليم تدفع الناس إلى تخصيص جزء محدود للغاية من العناية والاهتمام بالمشاكل الواقعة خارج نطاق محيطهم الاجتماعي.
ولكن، ماذا عن الحكومات؟ إنه سؤال تتزايد أهميته بصورة مستمرة، ما إذا كان ينبغي على الجهات الرقابية والمسؤولين العموميين أن يتعاملوا مع أخطاء الإغفال وأخطاء الإهمال بتلك الطريقة غير المتكافئة. وكما أعرف تماماً، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية ومراكز السيطرة على الأمراض، يعتريها قلق بالغ بشأن أخطاء الإغفال بأكثر مما تهتم بأخطاء الإهمال.
إذ بالنسبة لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، على سبيل المثال، لم توافق حتى الساعة على لقاح «أسترازينيكا»، كما لم تحدد مساراً واضحاً بشأن الموافقة عليه، رغم الموافقة التي نالها نفس اللقاح في العديد من البلدان المتقدمة الأخرى، بما في ذلك كندا، فضلاً عن أن الأدلة الواردة حديثاً بشأن سلامة وفاعلية اللقاح المذكور هي إيجابية للغاية، حتى وإن كانت بالنسبة لجرعة واحدة فقط من ذلك اللقاح. وكانت النتيجة من التباطؤ الواضح لدى إدارة الغذاء والدواء الأميركية، بمنتهى البساطة، وقوع الآلاف من حالات الوفيات الإضافية في الولايات المتحدة، ومن دون سبب وجيه لذلك. ومع ذلك، لم يخرج المواطنون الأميركيون إلى الشوارع للتظاهر والمطالبة بالموافقة على لقاح «أسترازينيكا».
تعكس الطريقة التي تتحدث بها الجهات الرقابية والمسؤولون العموميون في الولايات المتحدة بشأن التطعيمات، حالة من المعالجة غير المتكافئة لأخطاء الإغفال والإهمال على حد سواء. وتدور الرسالة العامة حول أنه حتى بعد تطعيم المواطنين الأميركيين، سوف يتعين عليهم مواصلة ارتداء الكمامات الواقية، والأخذ بقاعدة التباعد الاجتماعي، والامتناع عن زيارة الأقارب والأصدقاء. وتأكيداً للقول هذا، فإن المواطنين الذين حصلوا على جرعات اللقاح المزدوجة يواجهون بعض مخاطر الإصابة بفيروس «كورونا المستجد» أو ربما نقله إلى الآخرين. ويخشى مسؤولو الصحة العامة أنهم إن طالبوا الناس بالاسترخاء والتخفيف من القيود العامة، ربما يؤدي ذلك إلى تعرض المزيد من المواطنين للمخاطر مع سقوط أعداد أكبر من الوفيات بينهم.
هذا يعتبر من مصادر القلق المشروعة، ولكن المخاطر تحوم حول كلا المسارين. فإذا كان التطعيم لا يعد تحسناً كبيراً في حياة الناس، فسوف تقل مع الزمن احتمالات حصول الناس عليه. ومن ثم، فإن أفضل رسالة في هذا السياق، من وجهة النظر الفردية وما يتعلق بالصحة العامة، هي أن التطعيم سوف يؤدي إلى نتائج جيدة.
وحتى نكون واضحين، يواصل مسؤولو الصحة العامة على التطعيمات الإضافية. غير أنهم لا يدركون أن خطابهم الحذر ظاهرياً ينزع الجاذبية عن التطعيمات لدى المواطنين. فإن عدم الحديث عن التطعيمات هو من أخطاء الإهمال، وليس من أخطاء الإغفال، ومن ثم فهي من الأخطاء المقبولة بدرجة ما وليست قضية رئيسية مستحقة للطرح والنقاش العام.
ولكن، هل ينبغي السماح للموظفين العموميين، أو تشجيعهم بالفعل، على التعامل مع أخطاء الإغفال والإهمال بصورة مختلفة، تماماً كما يفعل المواطن العادي في أغلب الأحوال؟
يُعنى أغلب المواطنين في الولايات المتحدة بإجمالي أعداد القتلى في الصراعات العسكرية ولا يلقون بالاً لتفاصيل الأخطاء التي أسفرت عن تلك الوفيات إلا بدرجة ضعيفة. وربما يكون هذا هو الموقف الصحيح والعقلاني من وجهة نظرهم. وربما يكون هو الموقف الصحيح أيضاً من زاوية محاربة فيروس «كورونا المستجد» - بمعنى: الشواغل البالغة إزاء الخسائر والنتائج بصرف النظر تماماً عن نوع الخطأ المرتكب الذي أدى إلى وقوعها.
يقول البروفسور روبرت غودين، أستاذ العلوم السياسية والفيلسوف المعروف، إن الأفراد في المجتمع لا يسعهم إلا منح الاهتمام والأولوية لمصالحهم الذاتية الخاصة. بيد أنه لدى الحكومات مسؤوليات شاملة تتحمل أعباءها حيال المواطنين كافة، وعندما يتعلق الأمر بالقرارات ذات الصلة بالحياة والوفاة، لا بد من إيلاء جُل الاهتمام إلى النتيجة النهائية وليس إلى العملية الجارية. ومن ثم، ينبغي على الحكومات اعتماد قانون أخلاقي أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً مما يتعين على المواطنين العاديين اعتماده، الأمر الذي يدفعهم ولا بد إلى الاقتراب من النفعية، وبذل الاهتمام بالقدر المتساوي لجميع المواطنين.
وفي واقع الأمر، فإن حقيقة الفشل الواضح في تجاهل التمييز ما بين أخطاء الإغفال وأخطاء الإهمال يعتبر في حد ذاته من أخطاء الإهمال الواضحة، وربما الخطيرة للغاية في ظل الظروف الراهنة.