نبيلة مكرم
وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج
TT

دروس التاء المربوطة

يجد الكثيرون في شهر مارس (آذار) مناسبة لإبراز نجاح المرأة في الإدارة أو في أي مجال آخر في صورة يبدو معها الأمر -أحياناً- كأنه أمر استثنائي، وواقع الأمر أنني لا أجدني متفقة بشكل ما مع تلك الطريقة، بل على العكس؛ فإنني أرى أن نجاح المرأة حتى لو لم تصل إلى مناصب تنفيذية أو قيادية، مسألة متحققة ودائمة وتحدث أمامنا باستمرار وذلك عند النظر إلى حجم مسؤوليتها الشخصية والعائلية عن تخريج جيل جديد ناجح، فضلاً عن دورها المركزي في الحفاظ على كيان أسرتها... وأجدني أسأل: كيف يكون نجاحها استثنائياً وهي قوة المجتمع في العالم أجمع وفي بلدي مصر؟
على أي حال فإن محاولة إبراز نجاحات المرأة المتعددة المجالات والتي تتسم -بطبيعة الحال- بحسن النيات، لا يمكن أن تستقيم وتحقق أهدافها إلا باستخلاص الدروس التي تلهمنا بها المرأة و«التاء المربوطة» التي تمثلها.
وأرجو أن تسمحوا لي بأن أستشهد بتجربة كنت من حسن الحظ شاهدة على تفاصيلها، إذ إنني فخورة بكوني مسؤولة عن ملف المصريين في الخارج في الحكومة المصرية التي تضم ثماني وزيرات، وفي دولة عيّنت سيدة في منصب المحافظ، وربع أعضاء برلمانها من النساء، وكل ذلك وسط دعم وتحفيز دائم من القيادة السياسية المصرية للمرأة ودورها في المجتمع.
وأعود لعملي كوزيرة، والذي كان تحدياً كبيراً، خصوصاً أنها وزارة كان قد تم إلغاؤها منذ 20 عاماً، ولذلك كان لا بد من ابتكار مشروعات وملفات عمل لها، ومع مرور الوقت وبكثير من الجهد، أصبحت «وزارة الهجرة» من الوزارات «صاحبة التأثير الكبير، وساعدت بشكل كبير على إعادة ثقة المصريين في الخارج بوطنهم الأم».
ودون أن يمثل الأمر تمييزاً، فإنني أجد وزارة الهجرة التي أتولى مسؤولياتها نموذجاً متنوعاً، فهناك كثير من الشباب والشابات على قدر عالٍ من الكفاءة والتميز في مواقع مختلفة، وكذلك فإن المرأة صاحبة الكفاءة تمكنت من أن تكون مستشارتي للإعلام والاتصال السياسي، وكذلك فإن مديرة مكتب الوزيرة امرأة، وكذلك أحد معاوني الوزير، فالنساء موجودات وبقوة في مكتبي الفني وفي كل المناصب بالوزارة، ونعمل معاً للحفاظ على النجاح الذي تحقق في الملفات كافة دون تمييز بين رجل وامرأة.
أما على مستوى المشروعات، فإن للمرأة مكانة خاصة في أعمالنا، وعندما تعرضنا لجائحة «كورونا» كتحدٍّ عالمي ومحلي، كانت مشاركة المرأة في مبادرة «خلينا سند لبعض» نموذجا يُحتذى، وبذلت الدولة المصرية بأجهزتها المعنية كافة مجهوداً كبيراً لإعادة نحو 80 ألف مصري عالق بالخارج، وكان من بين العائدين شريحة العمالة البسيطة التي وجهت السياسية باستيعابهم ودمجهم في عملية التنمية التي تجري على أرض مصر، فتم إعداد استمارة «نوّرت بلدك» بالتعاون مع وزارة التخطيط وتوزيعها عليهم لمعرفة تخصصاتهم والاستفادة منها في المشروعات القومية التي يتم تنفيذها.
ومن بين الصعوبات التي فرضتها علينا جائحة «كورونا» كذلك، تأثر عدد من أنشطة الوزارة، وهو ما تم تعويضه من خلال وسائل التواصل عن بُعد، فعقدنا كثيراً من ورش العمل التحضيرية الخاصة بمؤتمر «مصر تستطيع بالصناعة» عبر الفيديو كونفرنس، وكذلك تم عقد كثير من اللقاءات مع المصريين بالخارج عبر الفيديو كونفرنس، في إطار مبادرات «شباب الدارسين بالخارج» و«مصرية بـ100 رجل».
وكأي امرأة مصرية كان يجب تحقيق التوازن بين عملي وأسرتي، فهناك أوقات مخصصة للجلوس معاً في المنزل والتحدث عن الأمور الخاصة بأسرتي وأولادي ودراستهم وعملهم، كما أنني عند الحديث عن المرأة لا يمكن أن أغفل دور «السير بولين» معلمتي في المدرسة، فهي مَن زرعت بي حب الخير وروح التعاون مع الغير، وغرست فينا، أنا وزملائي، القيم والمبادئ واحترام الغير على اختلاف شرائحهم، وهي القيم التي ساعدت كثيراً على تكوين شخصيتي، لذلك أحرص كل عام على زيارتها وتهنئتها بمناسبة عيد الأم.
ونحن في شهر المرأة يجب أن أحيّي المصريات النابغات في الخارج، حيث تم تخصيص النسخة الثانية من سلسلة مؤتمرات «مصر تستطيع» للمرأة المصرية النابغة بالخارج، بعنوان «مصر تستطيع بالتاء المربوطة»، والتي استعرضت عدداً كبيراً من قصص نجاح المصريات بالخارج في مختلف المجالات، واللاتي أبهرن العالم بريادتهن في مجالات التسليح والهندسة والطب والمال والاقتصاد وغيرها من المجالات الحيوية.
وهنا أتذكر ما قاله بردنارد شو إن «المرأة هي نصف المجتمع، وهي التي تلد وتربّي النصف الآخر»، وما قاله الشاعر العربي جبران خليل جبران: «إذا أردت أن تعرف رقيّ أمة فانظر إلى نسائها»، وأقول: «كل عام وكل امرأة عربية تنير درباً في طريق الإنسانية وتحمل مشاعل الحضارة والرقيّ للعالم أجمع».