ديفيد ليونهارت
TT

محاولات تخريب العلاقة السعودية ـ الأميركية

العلاقة السعودية - الأميركية مهمة ووثيقة ولكنها في ذات الوقت تتحول بسرعة إلى كرة تستخدم في الصراع الحزبي الداخلي الأميركي. المتحزبون هدفهم في نهاية المطاف ترجيح كفة حزبهم وإعادة انتخابهم، ولهذا يلجأون لأي شيء للاستفادة منه؛ أي قضية أو دولة أو أزمة قد تكون مفيدة في هذا الصراع على الأصوات والنفوذ. ينزلق هذا الصراع في بعض الأحيان إلى حرب تخاض في مستنقع من الوحل بين الشخصيات الديماغوجية.
في قضايا الداخل الأميركي، هناك معركة محتدمة وجدلية تتعلق بالهجرة. الديمقراطيون يتهمون الجمهوريين بالعنصرية والفوبيا من المهاجرين وإغلاق الأبواب في وجوههم، والجمهوريون يتهمون الديمقراطيين بفتح الباب على مصراعيه مخاطرين بوظائف الأميركيين ومتساهلين بدخول المتعصبين الخطرين ومروجي المخدرات. هناك معركة تخاض على المسألة الاجتماعية. الجمهوريون مع قيم العائلة ويتهمون خصومهم بتحطيمها، والديمقراطيون مناصرون لفكرة الحرية في العلاقات ويصفون خصومهم بالرجعية والانغلاق. في الجانب الاقتصادي الشيء ذاته، معركة محتدمة بين الرأسمالية والاشتراكية. وكذلك على الحق في حمل السلاح ونوعيته. معركة مستمرة خصوصاً في ظل انقسام المجتمع الأميركي على هذه الخطوط. والشيء نفسه يحدث في السياسة الخارجية. قضايا خارجية تدخل بسهولة في ساحة الصراع الحزبي بين الطرفين، ولكن الهدف ليس بذاته أحياناً، بل للنيل من الطرف الآخر، ولكن آثارها تتعدى الحدود.
الملفات مثل الصيني والروسي والسعودي لأسباب مختلفة هي الهدف الرئيسي لهذه الحملات، لكونها ملفات مؤثرة ويتم تجاهل بلدان أخرى أقل أهمية على المسرح الدولي. السعودية وبسبب علاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة دخلت مبكراً في هذا الصراع الداخلي. لنتذكر أن إدارة ترمب تهاجَم حتى الآن من بعض الديمقراطيين بسبب العلاقة القريبة من الرياض، والآن بعض الجمهوريين يهاجمون إدارة بايدن بحجة تخريب العلاقة مع الرياض.
في كلتا الحالتين تحولت السعودية إلى وسيلة لجذب الاهتمام الداخلي، ومن المؤكد أن ذلك سيزيد لأن السعودية في الواجهة الدولية الآن أكثر من أي وقت مضى بسبب التوجه التحديثي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والقضائية الكبيرة المعارضة لمشاريع القوى المتطرفة والتيارات الانكفائية في المنطقة. وقد رأينا مؤخراً نفس المشهد يتكرر بعد إصدار تقرير خاشقجي. إن بصمات الصراع الحزبي والثارات الداخلية التي لا علاقة لها بالضرورة بالسعودية ظاهرة على صفحاته.
الساحة الأميركية السياسية مفتوحة للوبيات وشركات العلاقات العامة التي تهدف لتحسين صورة دول وتلطيخ دول منافسة. وهي أيضاً في الوقت ذاته مفتوحة للطروحات الفكرية في مراكز البحوث التي تسعى للتأثير على صانع القرار من أجل قلب التحالفات والصداقات أو تقويتها. وبالطبع هناك من يحملون أجندات آيديولوجية معادية مثل جماعة «الإخوان المسلمين» والإيرانيين وغيرهما. إنها ساحة مفتوحة للدعاية السياسية وتبادل المنافع والمصالح والأموال والتحالفات الآيديولوجية منذ عقود ويلعب فيها كل الأطراف.
ومع هذا فإن كل هذه المحاولات التي تهدف لتخريب العلاقة بين الرياض وواشنطن لم تنجح ولكنها لا تهدأ. ومن المعروف أن الجماعات المتطرفة مثل «القاعدة» والميليشيات الإيرانية حاولت وفشلت بعملياتها الإرهابية في أميركا والسعودية في خلق أزمة في العلاقات بين البلدين. وهناك مسألة برأيي مهمة يجب التوقف عندها، وهي أن السعودية تحلت بالواقعية واختارت الطريق الصحيح رغم صعوبته، وتجنبت الوقوع فريسة للإحساس بالاستهداف والاضطهاد الإعلامي والسياسي، كما وقعت دول وحكومات أخرى أدخلت بلدانها وشعوبها في حالة من المزاج السوداوي، وعمقت مشاعر العداء التي تزدهر فيه نظريات المؤامرة والاستهداف. وما يحدث بعد ذلك نراه يتكرر، حيث تدخل هذه البلدان في عزلة وتصبح مهووسة بفكرة الإحساس بالضيم وعقدة الاضطهاد، وفي العادة تتخذ قرارات خاطئة بناء على الشعور المتخيل أو الحقيقي بالظلم. واستخدمت بعض الحكومات الفاشلة مثل هذا الإحساس بالاضطهاد كتعويض عن الإخفاق الاقتصادي والسياسي لخلق خصوم تستمد من عدائهم شرعيتها. التحلي بروح الواقعية وفهم طبيعة الصراع الحزبي الداخلي وإدراك مصادر الهجمات من الأطراف المعادية وعدم الانجراف لدعوات الاضطهاد، هو ما جعل العلاقة بين الرياض وواشنطن (واشنطن الجمهورية والديمقراطية) قوية واستراتيجية لعقود رغم الضجيج الذي نسمعه يومياً.