برتراند بيزانسينو
- سفير فرنسا السابق في الرياض
TT

الشرق الأوسط والتحولات القادمة في 2021

مع انطلاق عام 2021، ثمة تساؤلات كثيرة إزاء ما ستحمله الأشهر المقبلة، أكان بالنسبة لجائحة «كوفيد – 19» القديمة والمتحورة، أو بالنسبة لعودة الاقتصاد العالمي للدوران، أو بالنسبة لتبعات السياسة التي ستنتهجها إدارة الرئيس جو بايدن في الداخل والخارج... ولكن يبدو لنا أن التطورات ذات المعنى يمكن توقعها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لمجموعة من الاعتبارات الرئيسية، ومن بينها:
- التطبيع الحاصل بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية؛ وهو ما دفع باتجاهه الرئيس السابق دونالد ترمب، وكان المحرك الفاعل لهذا المسار هو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، والتوقعات تفيد بأن دولاً عربية أخرى سوف تلتحق بهذا المسار لمد جسر من التعاون مع إسرائيل.
- عزم الرئيس الأميركي على إعادة وصل خيوط الحوار مع إيران. ولا شك أن المفاوضات ستكون بالغة الصعوبة؛ نظراً للشروط المتناقضة للجانبين التي هي على طرفي نقيض. وتصوري أن حلفاء واشنطن في المنطقة سيعملون قصارى جهدهم لـ«الضغط» على إيران للحصول على «تنازلات» ذات معنى من إيران التي لا يبدو اليوم أنها مستعدة لذلك.
- يبدو لنا أن المملكة العربية السعودية التي تمر في مرحلة تحول واسعة، سيكون لها الدور الرئيسي في التغيرات التي سوف تشهدها المنطقة. وهنا أشير إلى برنامج الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يوفر للشباب السعودي أفقاً واسعاً على المستوى الاجتماعي من جهة، وعلى المستوى الوطني من جهة أخرى. ولا غرو أن المملكة تمتلك القدرات اللازمة من أجل ذلك.
إزاء هذه العناصر، لا بد من الإشارة إلى السياستين التركية والروسية اللتين تنظر إليهما إدارة الرئيس بايدن بكثير من الارتياب. والمرجح أن تسعى كل من موسكو وأنقرة إلى الاحتفاظ بالمكتسبات التي وفرها لهما انخراطهما العسكري، فضلاً عن طموحاتهما الإقليمية. لكن لا يبدو لنا أن محوراً حقيقياً (موسكو - أنقرة) يمكن أن يتشكل بسبب المنافسة القائمة بينهما.
إزاء هذا الواقع كما نراه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: من أين يمكن أن تأتي الحركة باتجاه التغيرات المشار إليها؟ المرجح أن تأتي من خلال ترتيبات قد تحصل بين السعودية وإدارة بايدن وبمساعدة الأوروبيين.
فمن المفيد الإشارة إلى أن الجانب السعودي يتميز بالبراغماتية ولم يتأخر في إرسال عدد من الإشارات باتجاه واشنطن، ومنها على سبيل المثال:
- اتفاق الرياض وما تضمنه من تفاصيل من شأنها الدفع باتجاه تعزيز وتوحيد الجهود اليمنية وتحقيق تطلعات الشعب اليمني.
- التطور الرئيسي الذي حصل بخصوص العلاقة مع دولة قطر. وللتذكير، فإن اتفاقاً وقّع بين الطرفين السعودي والقطري من أجل إعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين البلدين. ويعد هذا التطور نجاحاً للأطراف الثلاثة، أي السعودية وقطر والولايات المتحدة، وبيّنت الرياض من خلاله أنها قادرة على لمّ شمل دول الخليج مجدداً.
- تطور آخر جرى بين الرياض وأنقرة. فالعاهل السعودي تواصل مع الرئيس التركي إردوغان، واتفق الطرفان على الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة بينهما. وهذا من شأنه أن يسهّل الحوار المستجد للرياض أن تخفف من شدة التوتر بين القاهرة وأنقرة.
- تترافق هذه التطورات الخارجية مع تطورات داخل المملكة، شملت قيام وزارة التربية بتعديل عدد من النصوص في المناهج التعليمية، واستبعاد عدد من الأئمة بسبب توجهاتهم المتشددة. ولا يمكن إلا أن نذكر أن السلطات السعودية نجحت في تطبيق سياسة صحية ناجعة لمواجهة وباء «كوفيد - 19»، حيث هناك أقل من 100 حالة عدوى يومياً، إضافة إلى برامج التلقيح الواسعة.
- في ميدان العلاقات السعودية - الأميركية، نرى أن أهمية الأدوار الاقتصادية والسياسية والدينية التي تضطلع بها المملكة والتي من شأنها دفع واشنطن والرياض إلى التوصل إلى صيغة تفاهم وتعاون وهما حليفتان استراتيجيتان منذ 75 عاماً.
يمكن توقع أن تدفع رغبة الحوار التي تعبّر عنها إدارة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط إلى خروج تدريجي من أجواء التوتر القائمة؛ لأن في ذلك مصلحة للجميع، مع قناعتنا المسبقة أن كل طرف سيسعى للدفاع عن مصالحه. لكن التطبيع الحاصل بين إسرائيل وبين عدد من الدول العربية لن يصل إلى خواتيمه طالما لم تنضم إليه المملكة العربية السعودية، حاضنة الحرمين الشريفين، التي كانت المبادرة في تسعينات القرن الماضي لطرح خطة سلام بين العرب وإسرائيل. لكن الرياض، في نظرنا، لن تقدِم على خطوة تطبيعية إلا مع التوصل إلى حل مقبول للقضية الفلسطينية وبالنسبة للقدس كذلك، ثالث الأماكن الإسلامية المقدسة.
في هذا السياق، ثمة دور خاص يتعين على الطرف الأوروبي أن يلعبه؛ إذ إنهم في موقع جيد حيث هم، من جهة، أصدقاء لإسرائيل ومن جهة ثانية من كبار مانحي المساعدات للفلسطينيين؛ ولذا عليهم أن يطلقوا مبادرات تأخذ في عين الاعتبار الحقائق الميدانية والدبلوماسية، شرط أن تذهب أبعد من خطة جاريد كوشنر (مستشار الرئيس الأميركي السابق) التي لا يمكن قبولها بحالتها الراهنة.
إن من مسؤوليات فرنسا، الدولة الأكثر نشاطاً على المستوى السياسي في الشرق الأوسط، والتي تتمتع باحترام في المنطقة، أن تقدم مقترحات لمسار سلام فلسطيني - إسرائيلي تتضمن أفكاراً جديدة. وما يدفع بهذا الاتجاه أنها ودولاً معنية في الاتحاد الأوروبي، سيكون عليها أن تلعب دوراً مهماً في الملف النووي الإيراني من أجل استكمال الاتفاق السابق وتناول مسألتين مهمتين إضافيتين؛ هما البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني، وسياسة إيران الإقليمية، بشكل تساهم فيه بتوفير الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للعالم.

- السفير الفرنسي السابق لدى المملكة العربية السعودية