مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

نهضة اقتصادية جديدة في ظل قيادة رشيدة

اختارت السعودية عنواناً لدورة منتدى هذا العام، وهو النهضة الاقتصادية الجديدة، الذي يعبر عن بداية دورة اقتصادية جديدة بعد الركود الذي تسببت به جائحة كورونا، وهذا العنوان يوضح أن اقتصاد العالم دخل مرحلة جديدة، يعتمد فيها على كثافة التصنيع، واتجاه اعتماد الأعمال نحو الذكاء الصناعي بنسبة كبيرة جداً وتوجه الاستثمارات نحو البنية التحتية الرقمية والاقتصاد المعرفي، ومواجهة الأوبئة بتركيز واسع على البحث العلمي الطبي والبيولوجي، والحاجة نحو انفتاح عالمي واسع وتنقل أسهل للاستثمارات وتعزيز الثقة بمنظمة التجارة العالمية وحرية التجارة.
والمملكة إذ تحتضن منتدى مستقبل الاستثمار، بعد أن أدارت مجموعة العشرين في دورتها المنتهية في 2020. فإنها تقدم نموذجاً مثالياً للانفتاح على العالم والتوسع بجذب الاستثمارات، وتوفير مظلة بهذا المنتدى، ليلتقي فيها السياسيون مع رجال الأعمال وقادة كبرى الشركات العالمية، ليكون الحوار مباشرة بين أكثر من 140 متحدثاً يعدون من الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي والقطاعات المالية والصناعية والخدمية.
وليست المنافسة والإعداد لها إلا للعمل من أجل أهمية التبادل والفائدة العائدة منه، وهي بذاتها النتيجة المباشرة والمنطقية في استخدام كل أدوات الإنتاج. ولذا فقد توجت المنصة الاستثمارية في السعودية بنجاحات شهد لها العالم؛ حيث استضافت مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار خلال يومي 27 و28 يناير (كانون الثاني)، الدورة الرابعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، والذي انعقد في عدة مدن حول العالم، ليجتمع القادة والمستثمرون وصانعو السياسات بهدف إعادة تصور الاقتصاد العالمي، في ظل تفشي جائحة فيروس «كوفيد 19».
وفضلاً عن ذلك، فإن هذا المحفل الكبير والرؤى الرئيسية التي تتكون من الفرص السانحة لخلق نمو اقتصادي ضخم من صناعة، وسياحة، واقتصاد، هو إحدى ركائز الاقتصاد في السعودية، ويليه تطوير المدن، والذي قال عنه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي: «الاقتصاديات العالمية تقوم على المدن بنسبة 85 في المائة، والسنوات المقبلة ستصل إلى 95 في المائة»، مشيراً إلى أن «الفرص الاستثمارية كثيرة في السعودية، فيما تشكِل مدينة الرياض 50 في المائة من الناتج غير النفطي في المملكة، ويجري حالياً الانتهاء من وضع استراتيجية الرياض، التي تستهدف زيادة عدد السكان بها ما بين 15 و20 مليون نسمة، وأن تكون من أكبر اقتصاديات 10 مدن بالعالم»، وكذلك في بقية مدن المملكة.
جاء ذلك في لقاء خاص لولي العهد السعودي ضمن مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، أجراه معه رئيس وزراء إيطاليا السابق، عضو مجلس أمناء مؤسسة «مبادرة مستقبل الاستثمار» السيناتور ماتيو رينزي.
الواقع أن الموضوع الذي أروم الحديث عنه وطرحه يمثل امتداداً لمشروعات سابقة وأخرى قيد الإنشاء، وعلى هذا الأساس يمكن القول إننا في الوقت ذاته نعايش تطور ونهضة ضخمة أدركها الجميع من خلال التزام عنصر التواصل، من قائد ومسؤول، نشر ثقافة تلهم الآخرين ليصبحوا قادة رائعين، ازدادت استجابتهم وساهموا في إثراء العقول بأهمية استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة، وبدأ الكل في تحمل مسؤولية كبرى، لأن القائد الناجح استطاع أن يجعل الجميع ينصتون ويفهمون بالفعل، بعضهم بعضاً، من خلال شخصية إيجابية مفعمة بالنشاط والعمل لإيجاد أجواء قائمة على الابتكار والمشاركة.
لم تأتِ مثل هذه التغيرات بسهولة، فقد كان العامل المساعد هو تغير التفكير وتبعته النتائج، ومن ثم ظهرت الفوائد الملموسة والمؤثرة جداً، التي تناولها المتحدثون عن إعادة ابتكار طرق العمل في عالم ما بعد الجائحة، والاستثمار في العقد المقبل من الصحة العالمية، وما إذا كان عام 2021 هو العام الذي سيصبح فيه الاستثمار المسؤول هو الطريق الأساسي والشائع في الاستثمار، والذين يتقدمون في هذا العالم هم أولئك الذي ينهضون ويبحثون عن الظروف التي يريدونها، وإذا لم يستطيعوا العثور عليها فإنهم يصنعونها بأنفسهم، كما قال جورج برنارد شو.
يبدو أننا نمتلك قناعة مفادها أن الإنسان يستطيع أن يتصرف بإرادة حرة إذا سخر الظروف لصالحه وللصالح العام، وذلك يكون بتحديد العلاقة بين العقل النظري والعقل العملي الذي يطلق العنان للمهارات والمواهب والقدرات المذهلة، حتى في أحلك الظروف التي انعكست سلباً على العالم، في ظل جائحة كورونا (كوفيد 19). وتقييم الآثار السياسية والاقتصادية والثقافية في أفق القرن الجديد سيظل مرتبطاً بالاستقرار على جميع الأصعدة، وبلا شك سوف نشهد عالماً صناعياً يحمل معه استمرارية الحاضر إلى المستقبل بخطوات ثابتة، وهذا أمر منطقي مع سرعة التطورات والاكتشافات التي نراها، فهي تتضاعف رغم ما يوجهه العالم من ظروف اقتصادية صعبة للغاية. وهذا ما تعمل عليه القيادة السعودية الرشيدة.