داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

«تويتر» يدخل خلية النحل

من فضائل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تغريداته اليومية التي ينتظرها كثيرون، وخاصة ما يتعلق منها بإيران وميليشياتها في العراق. وفي الأسابيع الأخيرة من ولايته، انشغل ترمب بالانتخابات والأرقام الصاعدة والنازلة، ونسي إيران والعراق والصين وكوريا الشمالية والمكسيك وسوريا وفنزويلا و... «تويتر». ولم يكن يتردد قبل الانتخابات في استخدام الموقع للتنديد بكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا والصين وسوريا والصحف والقنوات التلفزيونية التي تنتقده واصفاً إياها بأنها «تروّج أخباراً مضللة» وأنها «تشن مطاردة شعواء» ضده.
لكن المتابعين، إذا نسوا تغريداته الصغيرة، فهم لم ينسوا التغريدات المتبادلة بين ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وللإنصاف فإن كيم جونغ كان البادئ بالتغريد، حين حذر من أن لديه «زراً نووياً على مكتبه» فرد ترمب قائلاً: «أنا أيضاً لديّ زر نووي، لكنه أكبر وأقوى بكثير من زره، وزري يعمل بلمسة واحدة»! وتحتفظ وكالة الصحافة الفرنسية بملف خاص لهذه التغريدات.
قدرت وسائل الإعلام الأميركية عدد متابعي تغريدات ترمب بـ88 مليون شخص. وهو رقم كبير جداً، وخاصة إذا ما علمنا أن أكثر المتابعين «المغردين» سياسيون ورجال أعمال وإعلاميون. وقد عاب البعض على ترمب أنه وصف نفسه في إحدى تغريداته بـ«العبقري والمتوازن جداً». لكن الذين انتقدوا هذه التغريدة النرجسية أشادوا بترمب لأنه امتلك من الشجاعة ما جعله يعلن في تغريدة له في منتصف إحدى ليالي الانتخابات بأنه أصيب مع زوجته بفيروس كورونا (كوفيد - 19)، وأنه سيبدأ عملية حجْر طوعي فوراً. إلا أنه عاد بعد ثلاثة أيام وأعلن في تغريدة له أنه تغلب على المرض!
أخيراً فاض الكيل لدى موقع «تويتر» فعلّق حساب ترمب الشخصي بشكل دائم تفادياً لمزيد من «التحريض لاستخدام العنف» بعد خسارة ترمب في الانتخابات وفوز منافسه «الديمقراطي» جو بايدن. وشمل الحظر على ترمب في موقعي «فيسبوك» و«إنستغرام» أيضاً. وهي المرة الأولى التي يتم فيها منع نشر تغريدات رئيس دولة. كما تم منع الرئيس الخامس والأربعين من التغريد على الحساب الرسمي المخصص لرئيس الولايات المتحدة لينتقل الحساب إلى الرئيس الأميركي السادس والأربعين جو بايدن. ورد ترمب على قرار «تويتر» بأن الموقع «يتآمر لإسكاته وإسكات 75 مليون أميركي صوتوا له في الانتخابات». وكثيراً ما استخدم ترمب تعبيرات مسيئة للسياسيين في تغريداته السابقة مثل «الناعس» و«المجنونة» و«المتقلب»!
بلغت تغريدات ترمب منذ توليه الرئاسة أكثر من 60 ألف تغريدة؟ وقال المخرج التلفزيوني الوثائقي البريطاني بيتر كريستال إن هذه التغريدات «أحدثت شرخاً كبيراً في جسم المجتمع الأميركي وخلقت أزمات سياسية ليست قليلة في العالم كله». وأنه «السياسي الأكثر استغلالاً لوسيلة تواصل متوفرة في زمنه متجاوزاً في ذلك كل الرؤساء الذين سبقوه ونشطوا في استثمار وسائل التواصل التي كانت مؤثرة في زمنهم مثل الراديو والتلفزيون». وتساءل المخرج الوثائقي: «هل يستطيع ساسة أميركا مستقبلاً بعد تجربة ترمب مع (تويتر) تجاهل التغريدات أو غيرها رغم الانتقادات الموجهة للرئيس الأميركي السابق؟». لم يسبق ترمب أحدٌ من ساكني البيت الأبيض في تحويل «تويتر» إلى ساحة صراع يتفرج عليها ملايين الناس. ويَعتبر المؤرخون تغريدة ترمب قبل إعلان ترشحه للرئاسة قبل خمس سنوات، البداية الحقيقية لسلسلة تغريداته الرئاسية، حيث سأل فيها عن أصل الرئيس الأسبق باراك أوباما، وطلب عرض جواز سفره والمعلومات الشخصية المثبتة فيه ليوحي بعدم شرعية توليه الرئاسة التي ينص قانونها بحصر المرشحين بالأشخاص المولودين على الأراضي الأميركية فقط، علماً بأن باراك أوباما حسين ولد في مدينة هونولولو في ولاية هاواي الأميركية. وعاد ترمب إلى هوايته الدعائية التحريضية، وهذه المرة مع هيلاري كلينتون، التي نافسته في الانتخابات الرئاسية الأسبق لإزاحتها من طريقه عبر اتهامات بـ«الشيطنة والكذب».
وضع موقع «تويتر» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي علامة تحذير على تغريدة لترمب وصف فيها قراراً للمحكمة العليا بشأن السماح بالتصويت عبر البريد بأنه «سيسمح بالغش والعنف»، وذلك بإضافة ما يفيد بإخلاء مسؤوليته عن التغريدة وأن محتواها «محل خلاف» و«ربما يكون مضللاً». في يوم 24 يناير (كانون الثاني) الماضي سجل ترمب رقماً قياسياً جديداً في عدد تغريداته في يوم واحد على «تويتر»، قبل حظر نشاطه، إذ نشر أكثر من 142 تغريدة خلال 24 ساعة!
في الحملة الانتخابية الأولى لترمب قبل أكثر من أربع سنوات تم اعتباره من «أفضل مستخدمي موقع (تويتر) صانع الرؤساء». وفي نهاية معركة الرئاسة الثانية تم حظر تغريداته!
من حق المتابعين أن يتساءلوا: لو أن الفائز في الانتخابات كان ترمب، هل كانت تتجرأ إدارة «تويتر» أن تحظر تغريداته؟ وهل كان بايدن أكثر التزاماً بشروط التغريد التويترية؟ وبعيداً عن ترمب وبايدن، لماذا لم تحظر «تويتر» تغريدات الرئيس التركي إردوغان المستمرة ضد المعارضة التركية؟ ولماذا سكتت «تويتر» أمام تغريدات «الإخوان المسلمين» ضد مصر ونظام الحكم الشرعي فيها؟
المشكلة بين ترمب وبايدن من جهة وبين «تويتر» من جهة أخرى هي أن الموقع الشهير قرر إلغاء جميع المتابعين من حساب ترمب بدلاً من نقلهم إلى الإدارة الجديدة بقيادة بايدن. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن هناك خلافاً بين معسكر بايدن و«تويتر» حول ذلك، لأن الرئيس الجديد يحتاج إلى بعض متابعي «تويتر» من أنصاره. وأشارت إدارة بايدن إلى أن المنصة قامت في عام 2017 بنقل جميع حسابات الرئيس الأميركي الأسبق أوباما إلى حسابات ترمب، لكنها لم تفعل الأمر نفسه بعد الانتخابات الأخيرة. ومتابعو «تويتر» من أنصار ترمب ليسوا بالآلاف وإنما بالملايين. فحساب ترمب 33 مليون متابع، وحساب البيت الأبيض 26 مليون متابع، والسيدة الأولى للولايات المتحدة 16 مليون متابع، والسكرتير الصحافي للبيت الأبيض 6 ملايين متابع. وأشارت الصحيفة إلى أنه ستتم إعادة تسمية حساب POTUS أي الرئاسة الأميركية الخاص بترمب ليصبح POTUS 45 مع تجميده، وسيظل ترمب يتحكم في حسابه الشخصي ولكن بحماية أقل من ذي قبل. وليس خافياً على الإعلاميين الأميركيين أن ترمب حَوّلَ «تويتر» في عهده إلى «وزارة إعلام إلكترونية»!
أما المرشد الإيراني علي خامنئي فقد اتهمته الناشطة والكاتبة الإيرانية معصومة علي نجاد في مقال نشرته في صحيفة «واشنطن بوست» بأنه ينشر على «تويتر» «الكراهية ومعلومات مضللة». وطالبت الكاتبة بحظر حساب خامنئي أسوة بترمب، لكن الرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» زعم أن تغريدات خامنئي المعادية للسامية - مثلاً - والقضاء على إسرائيل لا تنتهك قواعد الشركة لأنها مجرد «قعقعة سيوف». وأكدت الناشطة أن كلمات خامنئي بالنسبة للعديد من الإيرانيين ليست تهديدات فارغة ولكن لها عواقب حقيقية على حياتهم، علما بأن المرشد منع 83 مليون إيراني من خدمات «تويتر»، بينما يستفيد هو وحلفاؤه من المنصات الاجتماعية الإلكترونية لنشر «أكاذيبهم» من دون أي إشارة تحذيرية.
يعرف القاصي والداني أن الأنظمة الإيرانية والعراقية والسورية أغلقت الإنترنت بالكامل خلال موجات المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها الدول الثلاث، وطبقت التعتيم الإعلامي الكامل بينما كان حكامها يستخدمون الإنترنت لتضليل العالم.
خبرنا الأخير من بيروت: أظهرت أرقام «تويتر» بأن المطربة اللبنانية إليسا أقوى من زميلتيها نانسي عجرم وهيفاء وهبي!