فرديناندو جوليانو
TT

أوروبا على وشك مواجهة كارثة لقاحات

من الصعب أن يمنع المرء نفسه من الوقوف في صدمة أمام البداية الواهنة لحملة توزيع اللقاح المضاد لفيروس «كوفيد - 19» على مستوى الاتحاد الأوروبي.
حتى يومنا هذا، تمكّن الاتحاد من توزيع ما يقرب من 8.9 مليون جرعة فقط من اللقاح، تبعاً لما أوردته وكالة «بلومبرغ»، بمعدل يبلغ جرعتين تقريباً لكل 100 مواطن. في المقابل، تجري جهود التطعيم داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمعدل 7 و10.5 على التوالي، في الوقت الذي وصل الرقم نفسه داخل إسرائيل إلى 43. ونظراً لأن جميع اللقاحات التي نالت الموافقة حتى الآن تعتمد على جرعتين، فإن ثمة طريقاً شاقة للغاية أمام الاتحاد الأوروبي ليبقى برنامج توزيع اللقاحات لديه على المسار الصحيح. وللأسف، لا يبدو المستقبل أكثر إشراقاً. من ناحيته، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى توزيع اللقاح على 70% على الأقل من السكان داخل كلٍّ من الدول الأعضاء بحلول نهاية الصيف، لكنّ هذا الهدف يبدو عُرضة للخطر. حتى اليوم، وافقت أوروبا على لقاحين، أحدهما من إنتاج شركتي «فايزر إنك» و«بايونتيك إس إي» والآخر من إنتاج «موديرنا إنك». ومع هذا، لا تزال إمدادات اللقاحين غير كافية. ومن المقرر أن تتولى الوكالة الطبية الأوروبية مراجعة اللقاح الذي تعاونت شركة «أسترازينيكا» مع جامعة «أكسفورد» في إنتاجه هذا الأسبوع، لكنّ شركة المنتجات الدوائية البريطانية أعلنت أن شحناتها إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال الربع الأول من العام قد تتراجع بنسبة تقارب 60%. وهناك لقاح مرشح آخر من إنتاج شركة «سانوفي» الفرنسية، لكنه لن يكون جاهزاً حتى نهاية عام 2021 على الأقل جراء انتكاسة كبرى وقعت خلال التجارب.
من ناحية أخرى، قد يترك هذا الإخفاق عواقب كارثية إذا لم يجر التعامل معها بسرعة. وتشير الأرقام إلى أن الاتحاد الأوروبي شهد قرابة 426000 حالة وفاة مسجلة جراء فيروس «كوفيد - 19» حتى الآن، تبعاً لما أعلنه المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها. وكلما طال أمد جهود السيطرة على الجائحة، خسرنا مزيداً من الأرواح. واليوم، تقف سمعة الاتحاد الأوروبي على المحك: فكيف يمكن للاتحاد التفاخر بـ«نموذجه الاجتماعي» إذا كان عاجزاً عن حماية مواطنيه الأكثر عرضة للخطر؟
علاوة على ذلك، فإن جهود التطعيم الناجحة تمثل السبيل الوحيد المستدام لمساعدة الاقتصاد على التعافي. جدير بالذكر في هذا الصدد أن الشكوك العميقة السائدة وإجراءات الإغلاق وغيرها من إجراءات التباعد الاجتماعي أسهمت في حدوث انكماش اقتصادي بنسبة 7.6% من إجمالي الناتج الداخلي الأوروبي خلال عام 2020 تبعاً لتوقعات صندوق النقد الدولي الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول).
وتبدأ إخفاقات الاتحاد الأوروبي من طلباته المسبقة المرتبطة باللقاحات، فرغم أن الاتحاد جمع قائمة شاملة قبل الموافقة على أي لقاحات بفترة طويلة، فإنه تحرك ببطء وتحفُّظ بالغَين نحو أكثر التطورات الواعدة: اللقاحات المعتمدة على تقنية الحامض النووي الريبوزي المبتكرة التي أبدعتها شركات «فايزر - بايونتيك» و«موديرنا». وتأخرت الوكالة الطبية الأوروبية بوقت طويل عن نظيراتها داخل المملكة المتحدة والولايات المتحدة في الموافقة على لقاح «فايزر».
في المقابل، يبدو تأخر الوكالة في الموافقة على لقاح «استرازينيكا» أكثر منطقية، بالنظر إلى المشكلات التي واجهها اللقاح خلال فترة التجارب (لم تتقدم «أسترازينيكا» بطلب بعد للحصول على موافقة تنظيمية أميركية).
إضافةً لذلك، اتّسمت جهود توزيع اللقاح داخل أوروبا بالبطء هي الأخرى، لا سيما في دول مثل فرنسا وبلجيكا. وثمة تساؤلات تفرض نفسها حول ما إذا كانت الدول الأعضاء بالاتحاد تتخذ القرارات الصائبة بخصوص من يتعين حصوله على اللقاح أولاً. في إيطاليا، ذهب واحد فقط من بين كل 10 جرعات من اللقاح إلى دور الرعاية، بينما ذهب واحد من كل أربع جرعات تقريباً إلى عاملين بمجال الرعاية الصحية ليسوا أطباء ولا ممرضين. ومع أنه من المنطقي توفير الحماية لأطقم العاملين في المستشفيات، يبدو هذا التوازن غير صحيح. وتتعلق مشكلة أخرى بإهدار الجرعات.
وعليه، فإن التساؤل الآن: ما الذي يمكن عمله؟ من جهته، يستهدف الاتحاد الأوروبي شركات المنتجات الدوائية، والتقى ممثلون عنه، أول من أمس (الاثنين)، مع كبار قيادات «أسترازينيكا»، وطالبوا بتفسير كامل للتأخير في توفير اللقاح، وشددوا على ضرورة أن تفي الشركة بتعهداتها. أما «أسترازينيكا»، فتلقي اللوم على مشكلات في أحد مواقعها التصنيعية الأوروبية، لكنّ المفوضية الأوروبية تخشى من أن تكون الشركة قد أعطت الأولوية لدول أخرى.
في هذا الصدد، غرّدت ستيلا كيرياكيدس، مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الصحة وسلامة الطعام، ليلة الاثنين، قائلة: «تقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي موحدة الصف. وتتحمل شركات تطوير اللقاحات مسؤوليات اجتماعية وتعاقدية عليها الوفاء بها».
بالتأكيد للحكومات الأوروبية كل الحق في تنفيذ وعودها، خصوصاً أنها دفعت مبالغ ضخمة مقدماً، وبالتالي فإنَّها تتوقع تسليم اللقاحات في الوقت المناسب. ومع ذلك، ينبغي لدول الاتحاد الأوروبي التأكد من أن لديها حُجة قوية. يُذكر أن التعاقدات المبرمة مع الشركات الدوائية سرّية، لكن من المحتمل أن تكون بها بنوداً تضمن إفلات الشركات حال وقوع مشكلات في الإمداد.
علاوة على ذلك، يجب أن تميز بروكسل بحرص بين أنماط السلوك الاستغلالية والمشكلات التي يمكن توقع حدوثها في إطار جهود تنفيذ عملة توزيع لقاح جديد بسرعة هائلة.
تتمثل أحد الأخطار القائمة في أن السياسيين يستخدمون شركات تصنيع اللقاحات ككبش فداء لإخفاء إخفاقاتهم. وسبق أن حدث هذا خلال الجائحة، فقد جرى توجيه اللوم عن تفشي فيروس «كوفيد - 19» إلى الجميع، من مواطنين إلى زائرين أجانب، بدلاً عن توجيه اللوم إلى السياسات الرديئة. في الأسبوع الماضي، أبدى العديد من حكومات الاتحاد الأوروبي غضبها من شركة «فايزر» بعدما أعلنت خفضاً مؤقتاً في الجرعات نظراً لجهود إعادة التنظيم داخل مصنع في بلجيكا. واتضح لاحقاً أن «فايزر» ستعوّض الفاقد في وقت لاحق من الربع الجاري من العام. الواضح أن ثمة مخاطرة كبيرة تتمثل في المبالغة السياسية. بطبيعة الحال من الجيد ممارسة بعض الضغوط على الشركات المصنّعة للقاحات، لكنّ هذا القول لا ينسحب على تقويض علاقة محورية في وقت يوجد الكثير من الدول لشراء الجرعات. جدير بالذكر أن التعاون الوثيق بين «فايزر» وإسرائيل مكّن الأخيرة من تحقيق نتائج خارقة في توزيع اللقاح. ويحمل هذا الأمر دروساً مفيدة بالتأكيد. ويتعين على الاتحاد الأوروبي إبداء استعداده للتعاون على نحو أوثق مع شركات إنتاج اللقاحات. على سبيل المثال، من خلال تقديم مساعدة مالية للجهات التي تختار تحويل مصانعها لتوسيع دائرة الإنتاج. ومع أن توجيه مزيد من النقد لن يحل الاختناقات، فإنه قد يساعد.
المؤكد أن الأوان لم يفُتْ بعد لمعالجة الإخفاقات السابقة، لكن يتحتم على سياسيي الاتحاد الأوروبي التحرك السريع. ويجب أن يدركوا أن السعي وراء استعادة الحياة الطبيعية سباق يجب الفوز به، سواء لأسباب تتعلق بالرعاية الصحية أو لاعتبارات اقتصادية. أما من سيأتون في المرتبة الثانية، فسيتحملون العواقب لفترة طويلة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»