إن لم تكن قد سمعت عن صعود وهبوط تطبيق «Ever - إيفر» للصور، فإنني أقترح عليك الانتباه لهذا المقال. فإنَّ قصة هذا التطبيق تعكس كيف يمكن للحكومة - إن أرادت - أن تجبر شركات التكنولوجيا العملاقة مثل «غوغل» و«فيسبوك» على احترام خصوصية المستخدمين.
على غرار العديد من الخدمات السحابية الأخرى، وفر تطبيق «Ever - إيفر» للمستخدمين مساحة لتخزين صورهم الخاصة. ثم انطلق التطبيق لما هو أبعد من ذلك من خلال استخدام تلك الصور في تطعيم لوغاريتمات التعرف على الوجوه، التي قامت بنقلها إلى وكالات إنفاذ القانون، والعملاء المحتملين الآخرين. شعر بعض من مستخدمي التطبيق بتعمد انتهاك خصوصيتهم، وزعمت «لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية» أن شركة «إيفر ألبوم» قد تصرفت بصورة مخادعة من خلال استخدام تقنية التعرف على الوجوه من دون علم المستخدمين، مع فشلها في حذف صور العملاء عندما قاموا بإلغاء حساباتهم الخاصة على موقع التطبيق.
الأمر المثير للاهتمام بصفة خاصة كان شروط التسوية التي جرى التوصل إليها خلال الأسبوع الجاري. فهي لا تُلزم شركة «إيفر ألبوم» بمجرد حذف الصور محل النزاع والحصول أولاً على موافقة العملاء على استخدام تقنية التعرف على الوجوه، وإنما يتعيَّن على الشركة أيضاً حذف أي لوغاريتمات مطورة ومستخدمة من جانبها مع تلك الصور والمقاطع المرئية التي حصلت عليها من خلال التطبيق خاصتها (والذي تقرر إغلاقه اعتباراً من العام الماضي).
من شأن اهتمام «لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية» باللوغاريتمات أن يشكل سابقة ذات أهمية. ففي عالم الذكاء الصناعي، تعتبر بيانات الناس هي المواد الخام في الصناعة. وبالنسبة إلى شركة غوغل العملاقة، فإنها كلمات البحث ونقرات الإعلانات. وبالنسبة إلى شركة «فيسبوك»، فهي المدونات التي يقرأها الناس ومدى تفاعلهم معها. وبالنسبة إلى شركة أمازون، فهي ما يبتاعه الناس عبر الموقع وكيفية العثور على الأشياء. ومن ثم تقوم الشركات المذكورة باستخدام هذه البيانات المجمعة في تحديث اللوغاريتمات الخاصة بها - بصفة يومية، أو بالساعة، أو ربما بالدقيقة - من أجل جذب وتوليد الأرباح من المزيد من المستخدمين والعملاء. تعد اللوغاريتمات هي جوهر المنتج الإلكتروني. وهي تحتوي على المعرفة المتراكمة الكاملة، بما في ذلك الروابط الجديدة، وآخر مقاطع الفيديو ذائعة الانتشار، وأبرز المنتجات الجديدة في الأسواق.
لذلك، عندما فرضت «لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية» الغرامات على شركة «فيسبوك» بقيمة 5 بلايين دولار إثر إساءة استخدام بيانات العملاء، تماماً كما فعلت في عام 2019، ربما تكون تلك الغرامة باهظة للغاية، ولكنها أبعد من أن تكون قاتلة بالنسبة لأعمال الشركة العملاقة. إذ إن الأصول الأكثر قيمة لا تزال سليمة كما هي، ونقصد بذلك اللوغاريتمات التي طورتها شركة «فيسبوك» من البيانات المختلسة من العملاء. تماماً مثل أجساد مرضى القتل الرحيم في الفيلم الأميركي القاتم «سويلنت غرين» من إنتاج عام 1973، حيث تمت معالجة معلومات وبيانات الأشخاص بالفعل وتحويلها إلى المنتج النهائي، وهي على استعداد لنقلها إلى المرحلة التالية من العمل.
ولكن، ماذا لو طلبت السلطات في الولايات المتحدة من شركة «فيسبوك» حذف الأجزاء المسيئة من اللوغاريتمات الخاصة بها؟ ماذا لو اضطرت شركة «فيسبوك» إلى العودة للإصدار السابق قبل أن تشرع في إساءة استخدام بيانات العملاء كما فعلت؟ عندها سوف تكون إمكانات الذكاء الصناعي بعيدة تمام البعد عن متناول الأيدي: تصور أن شركة «فيسبوك» عادت إلى طرح المقالات والمدونات لما قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016. إن إعادة تلقيم اللوغاريتمات من دون المعلومات والبيانات المفقودة سوف تستلزم جهوداً هائلة غير متصورة من جانب الشركة، ولسوف يؤدي إلى إلحاق الأضرار الفادحة بنموذجها الراهن للأعمال لفترة معتبرة من الوقت.
وهنا يكمن سلاح بالغ القوة. إذا سمحت السلطات للمجال العام بمعرفة أنها سوف تُلاحق اللوغاريتمات في المرة القادمة، التي تكتشف فيها إساءة استخدام البيانات من قبل جهة من الجهات، فمن المحتمل عندئذ أن تتعامل شركات التكنولوجيا العملاقة مع مخاوف خصوصية العملاء لديها بدرجة أكبر من الجدية والاحترام.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
«غوغل» و«فيسبوك» والخصوصية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة