جاء إعلان إيران تخصيب اليورانيوم لديها إلى مستوى 20 في المائة، ما يزيد بكثير على حد 4 في المائة المحدد في الاتفاقية النووية لعام 2015، بمثابة رسالة تحذير واضحة قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن. وأعقب الإيرانيون ذلك الإعلان، مؤخراً بخطف ناقلة نفط كورية جنوبية في الخليج، بزعم أنها تنتهك المعايير البيئية - اتهام ينطوي على قدر كبير من النفاق كونه صادراً عن دولة زرعت ألغاماً في مضيق هرمز.
من جانبها، نشرت الولايات المتحدة في وقت قريب قاذفات بعيدة المدى مزودة بصواريخ كروز في منطقة الخليج، بجانب وجود حاملة الطائرات «نيميتز» (بعد إعلان موجز ومثير للحيرة بأنها ستبحر عائدة إلى الوطن). وتمتلك الولايات المتحدة أيضاً طرادات وغواصات مزودة بصواريخ «توماهوك» للهجوم الأرضي في المنطقة، جاهزة للانطلاق. (أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنَّ الحاملة ستظل في الخليج - المحرر).
والتساؤل الآن: ماذا يحدث في طهران؟ وكيف ستتطور العلاقات الأميركية - الإيرانية خلال 2021؟
يقول مثل قديم: «كل السياسات محلية»، وإيران ليست استثناء. والملاحظ أنَّ حدة التوتر السياسي في طهران تتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية هذا الصيف، في وقت أدى فيه سوء إدارة أزمة جائحة فيروس «كوفيد - 19» إلى زيادة السخط الشعبي. في الوقت ذاته، تضرر الاقتصاد من العقوبات الأميركية، ودخل عامه الثالث على التوالي من الركود. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الغضب مشتعلاً جراء مقتل الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية بطائرة من دون طيار في العراق قبل عام، مع وعيد بالانتقام. كما أثار اغتيال عالم نووي إيراني بارز مشاعر الكراهية تجاه إسرائيل، لانتشار مزاعم بأن الاغتيال وقع بتوجيه من جهاز «الموساد» الاستخباراتي. كما تنطوي الاتفاقيات الإبراهيمية الجديدة بين إسرائيل ودول عربية خليجية، بوساطة الولايات المتحدة، على مزيد من التعزيز للتحالف المناهض لإيران في المنطقة. كل هذا يترك داخل نفوس آيات الله والسياسيين العلمانيين الإيرانيين، رغبة عارمة في إظهار القوة أمام الولايات المتحدة. من جهتي، أمضيت كثيراً من مسيرتي في القوات البحرية بمنطقة الخليج، وأكنُّ احتراماً للقدرات العسكرية الإيرانية. وكنت قلقاً بشأن قدرة إيران على نشر غواصات تعمل بالديزل في تلك المياه الضحلة ضد القوات الأميركية، خصوصاً عندما كنت على متن حاملة طائرات نووية. كان الإيرانيون يحوّطون بشكل روتيني سفننا بالطائرات والقوارب الصغيرة العالية السرعة، بينما تعج الموجات الهوائية بشعارات «الموت للشيطان». ويملك الإيرانيون ما يكفي من الألغام لإغلاق مضيق هرمز مؤقتاً على الأقل، الذي يتدفق عبره نحو 30 في المائة من نفط العالم. كما أن قدراتهم المتنامية بمجال الحروب السيبرية موثقة جيداً.
وعلى الجميع الإدراك بأن إيران يمكن أن تسبب قدراً من البؤس للاقتصاد العالمي على نحو عام، والشرق الأوسط على نحو خاص. وبالنظر إلى الرحيل الوشيك لإدارة دونالد ترمب، التي انتهجت سياسة «الضغوط القصوى» ضد طهران، يناور الإيرانيون اليوم بذكاء. والواضح أنهم ينوون تنفيذ سلسلة من التحركات العسكرية والدبلوماسية الهادفة إلى الإظهار أمام الولايات المتحدة وحلفائها أنه لن يكون من الممكن ببساطة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، مع فرض قيود إضافية على الصواريخ الباليستية الإيرانية والأنشطة الإرهابية - وكلاهما خط أحمر لآيات الله. وما زاد من تعقيد كل هذا إشراك روسيا والصين كمسؤولين أساسيين في الاتفاقية الأصلية. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنَّ الصين على وجه الخصوص كانت تقترب بشكل استراتيجي من طهران، وأبرمت صفقة استثمار وتعاون عسكري ضخمة مدتها 25 عاماً بقيمة 400 مليار دولار في الصيف الماضي. بالنسبة إلى فريق العمل المعاون لبايدن، فإنَّ أفضل مسار في البداية عدم الذهاب إلى طهران، وإنما بروكسل، ذلك أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تأمل في إعادة بناء اتفاق عملي مع طهران، إلا من خلال التوافق الكامل مع حلفائها بالاتحاد الأوروبي. ويجب دعم هذا النهج المتعدد الأطراف باستراتيجية دبلوماسية عسكرية من ثلاثة أجزاء؛ الحفاظ على قدرة دفاعية كبيرة في المنطقة - من خلال مجموعة حاملة طائرات هجومية على الأقل - لتثبيط المغامرة والحيلولة دون الاستيلاء على الناقلات، وبناء موقف تفاوضي يشمل كلاً من الجزرة والعصا (التهديد بالعزلة الطويلة المدى عن الأسواق العالمية)، والترويج للتعاون للسماح للدبلوماسية بلعب دور فاعل قبل أي مواجهة أخرى. وفي حين أنه من المحتمل أن تسير الأمور ببطء قبل الانتخابات الإيرانية، يبقى من المستحيل استبعاد وقوع حدث مفاجئ في الأيام الأخيرة لرئاسة ترمب، خصوصاً بالنظر إلى تشتت تركيز واشنطن في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن احتمالات حدوث سوء تقدير على صفحة مياه الخليج بعيدة كل البعد عن كونها ضئيلة، بالنظر إلى الاستفزازات الإيرانية الأخيرة. من ناحيتي، وعلى مر السنين، اشتريت كثيراً من قطع السجاد الفارسي أثناء عملي في المنطقة، بما في ذلك بعض السجاد على طراز تبريز الذي أعتز به. عندما تدخل متجراً للسجاد في الشرق الأوسط، توقع أن السعر الأولي المعروض سيكون مرتفعاً للغاية عن الحد المناسب لك. واليوم، تريد إيران نقطة بداية مع إدارة بايدن أعلى بكثير من قيمة البساط المعروض في هذه المرحلة. لذا، وجب على المشتري الانتباه إلى هذا الأمر.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT
الاستفزازات الإيرانية رسالة تحذير لبايدن
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة