الواضح أن اتخاذ قرار بخصوص مَن يحصل على لقاح فيروس «كوفيد - 19»، ومن يتعيّن عليه الانتظار، لن يكون بالأمر السهل. وتعكف السلطات بمختلف أرجاء العالم على بناء منظومات لوغاريتمية متنوعة لتقييم الفئات المهمة، والفئات الأكثر عرضة للخطر، وكيف تنبغي موازنة مثل هذه الاعتبارات.
في الواقع، السرية تخلق أجواء عامة من غياب الثقة والإحباط. جدير بالذكر أن كلية ستانفورد للطب اضطرت إلى تنفيذ جهود سيطرة على الضرر، بعدما صممت على عجل نظاماً لوغاريتماتيّاً تجاهل عمال الخطوط الأمامية في المستشفيات، الأمر الذي أشعل مظاهرات تحت شعار «اللوغاريتمات مثيرة للتقزز!».
وبالمثل، أثارت الحكومة الأميركية القلق بتحميلها برنامج «تيبريوس» الغامض مهمة توزيع اللقاح بمختلف أرجاء الولايات المتحدة. جدير بالذكر أنَّ هذا البرنامج جرى تطويره من جانب شركة «بالانتير» التي يملكها بيتر تيل. في خضم مثل هذه المهمة الضخمة المعقدة، تصبح مسألة وقوع صدامات أمراً حتمياً.
تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية توزيع جرعات اللقاح يجب أن تمر عبر ثلاثة مستويات على الأقل، بداية من مستوى الحكومة الفيدرالية، إلى الولايات وإلى مؤسسات مثل المستشفيات ودور الرعاية، وإلى الأفراد الفعليين. وعليه، سيجري الاعتماد على اللوغاريتمات في كل مكان عند كل مستوى، وهناك عدد لا حصر له من الصور يمكن لهذه اللوغاريتمات أن تخطئ من خلاله.
على المستوى الفيدرالي، يبدو أن «بالانتير» يبلي بلاءً حسناً حتى الآن، إذا كنت تصدق التقرير الصادر عن وزارة الدفاع الذي وصف عملية توزيع اللقاح حتى الآن بـ«العادلة» و«النزيهة». ومع المضي في تنفيذ خطط رفيعة المستوى، تبدو عملية إرسال المزيد من الجرعات إلى الولايات سلسة. ومع ذلك، فإنه حتى هذا التوجه البسيط يمكنه أن يعزز الفجوات المجتمعية؛ فعلى سبيل المثال، فإن بيانات تعداد السكان التي يعتمد عليها معروف أنها تقلل من تقدير أعداد الرجال أصحاب البشرة السمراء، الذين يأتون من بين أشد الفئات تضرراً من فيروس «كوفيد - 19».
من جهته، عملت مراكز السيطرة على الأمراض واتقائها على تعديل توصياتها بخصوص من ينبغي أن تكون له أولوية الحصول على اللقاح. على سبيل المثال، قسمت المراكز السكان فوق 65 عاماً إلى مجموعتين: 65 – 74، وفوق 75، وأعطت أولوية أعلى للفئة الأخيرة. الأمر الذي أشعل جدالاً محتدماً عبر فضاءات مثل «تويتر». ورغم أن هذا لا يبدو لوغاريتمات، فإنه كذلك؛ فاللوغاريتمات هي أي شيء بمقدوره تحويل أي عملية إلى آلية.
لو أن لدينا معلومات مثالية، كان سيصبح بمقدورنا، من الناحية النظرية، تنظيم الناس في مجموعات بهدف إنقاذ أكبر عدد من الأرواح. ومن الواضح تماماً أن العاملين بالمستشفيات وكبار السن والعاملين في الخطوط الأمامية يجب أن يأتوا قبل الشباب الذين يمكنهم البقاء في المنزل لشهرين إضافيين، حتى لو لم يرغبوا في ذلك. علاوة على ذلك، هناك الأشخاص الذين لا يشاركون في الخطوط الأمامية، ولكنهم أكثر عرضة للخطر، مثل أولئك الذين يعانون من ظروف صحية معينة. هناك متسع كبير للحكم والجدل هنا: أشك، على سبيل المثال، في أن السمنة ستُعطى الأولوية، رغم أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة معرضون بدرجة أكبر بكثير لخطر الوفاة من فيروس «كوفيد - 19».
وثمة أسئلة كبيرة كثيرة أخرى: هل يستطيع الأشخاص الذين تلقوا اللقاح أن ينقلوا الفيروس لآخرين؟ إذا كان الأمر كذلك، يتغير الكثير على الأرض. أحد الأمثلة: بدلاً عن تطعيم العاملين في دور رعاية المسنين على افتراض أنهم لن يشكلوا تهديداً للمقيمين بعد الآن؛ فقد يكون من المنطقي تطعيم المقيمين داخل هذه الدور أولاً. كيف يجب تقييم التأثيرات من الدرجة الثانية؟ إذا أراد صانعو السياسات، على سبيل المثال، مساعدة بعض الفئات الديموغرافية الأكثر تضرراً من مختلف الأعراق على العودة إلى العمل، فإنهم إذن قد يرغبون في إعطاء الأولوية لتطعيم العاملين في دور رعاية الأطفال.
تضيف قوة المال ومصالح الشركات المزيد من التعقيد. تريد كل من «أوبر» و«كون إديسون» والنقابات العمالية تطعيم منتسبيها، وأن يكون لها قدر لا بأس به من النفوذ في عالم السياسات التي ترسمها الدولة، ثم هناك بالطبع أفراد أغنياء يحاولون الضغط لاختصار الطريق والحصول على اللقاح سريعاً.
وبالنظر إلى جميع هذه الضغوط، من السهل فهم سبب رغبة المسؤولين في تفريغ عملية صنع القرار على جهاز كومبيوتر، لكن الخوارزميات ليست موضوعية وغير متحيزة: إنها أحكام وقرارات بشرية مضمَّنة في كود. وعندما تكون المخاطر كبيرة، يجب أن تكون تلك القرارات شفافة قدر الإمكان. لذا، دعونا نجعل معاركنا مفتوحة، بدلاً من عدم معرفة ما يوجد في الصندوق الأسود.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»