جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

عام جديد وتكهنات متعددة

حرص الليبيون، في الماضي، ضمن أطر تقاليد ثقافتهم الشعبية، على توديع مَن يزورهم من ضيوف ثقلاء، برمي سبع حصوات، خلف كل واحد منهم، فرحاً بمغادرتهم، وبأمل ألا يعودوا إليهم. ولو عرف سكان العالم الآخرون بهذا التقليد الليبي، لكانوا رموا بكل حصى الدنيا المتوفر خلف عام 2020 وهو يولّيهم ظهره، ابتهاجاً برحيله، وتمنياً ألا يروا أمثاله.
في العادة، لدى قرب نهاية عام وحلول آخر، يبدأ في نشاطه السنوي دولياً، موسم التكهنات والتوقعات والتنجيمات، بما سيحدث من أحداث وتطورات في العالم. ويبلغ ذروته في الأيام الأخيرة من العام. وتنشغل وسائل الإعلام، في مختلف عواصم العالم، بما يقوله منجمون مشهورون، كما تحرص على استضافة محللين كبار متخصصين في مجالات السياسة والاقتصاد والمال والرياضة... إلخ، لمعرفة توقعاتهم وتكهناتهم بما سيحدث من تطورات، سلباً وإيجاباً، في مختلف بقاع الأرض، في العام الجديد. وها نحن الآن في واحدة من جهات الأرض، وقد تنفسنا الصعداء فرحاً بنجاتنا من كوارث عام 2020، نتطلع بأمل إلى عام 2021، متمنين أن يكون أقل قسوة، وأكثر رفقاً ببشرية أرهقها تفشي وباء وانتشاره. التمني، كدعاء وابتهال أمهات، لا علاقة له مطلقاً بالتكهن والتوقع والتنجيم. لكني على المستوى الشخصي، لدى بداية العام الجديد، سأغامر، للمرة الأولى، بالتخلي عما عُرفت به من حذر، في تجنب الخوض في التكهن، وأجازف متعمداً في محاولة لاستشعار نبض ما يحمله لنا العام الجديد، في جرابه من مفاجآت مختلفة. وبالتأكيد، هذا لا يعني أنني سوف أشتطّ في الأمر، وأتخلى عن حذري جملةً وتفصيلاً، لكني سأحاول التكهن بناءً على ما توفَّر أمامي من معطيات واقعية، متلبساً شخصية صياد سمك في قارب صغير يدرك بالممارسة وبالتجربة أن الخوض في الأعماق سيلقي به وبقاربه إلى التهلكة؛ لذلك يحرص على أن يبقى طوال وقت الإبحار قريباً من مياه شواطئ يمكنه التنبؤ بأحوالها والتعامل مع أسوأ أنواع طقسها. وأبدأ بما يهمني شخصياً كليبيّ، حيث أتوقع أن الأزمة الليبية خلال العام القادم ستظل تراوح مكانها وتواصل معاناتها مما عرفته من تعنت وإشكالات معقدة تفاقمت من خلال حرص قوى خارجية متنافسة ومتورطة في الصراع على عدم إبداء تنازلات كل منها للأخرى. والأمر نفسه ينسحب على الأطراف المحلية الليبية. هذا التعقيد قد يدفع بالأزمة إلى وهاد حرب جديدة ربما تكون أكثر ضراوة مما عرفته ليبيا من حروب خلال السنوات العشر الماضية ما لم تتمكن بعثة الأمم المتحدة ممثلةً بالسيدة ستيفاني ويليامز وبتعاون مع المجتمع الدولي من حلحلة الأزمة عبر فتح ثغرة في جدار طريق مسدود، تُفضي إلى إقناع الأطراف الخارجية عبر مفاوضات سياسية بضرورة التفاهم على تقديم تنازلات تشجع بدورها الأطراف المحلية على القبول بالجلوس حول منضدة مستديرة، خصوصاً بعد وصول رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، مع طاقم إدارة جديدة، وبأجندة مختلفة عن أجندة الإدارة السابقة.
وفي العالم العربي، ما زالت كثافة الغيوم، كالعادة، تحجب الرؤية على المستويات كافة، وتجعل القراءة المستقبلية ضرباً من تنجيم.
التوقعات بخصوص القارة الأفريقية تبعث على الأسى، ولا تبشِّر بأخبار طيبة. نيجيريا المخرومة بالفساد وبالإرهاب الإسلاموي ممثلاً في حركة «بوكو حرام»، قد تنعطف بها الأزمة إلى نفق مظلم وبلا منافذ، ومثلها في ذلك إثيوبيا بعد حرب تيغراي الأخيرة، حيث من المقرر إجراء انتخابات نيابية في العام الجديد. والأمور في جمهوريات أفريقيا الوسطى، وساحل العاج، والكونغو تبعث على القلق وقد تزداد سوءاً. وفي جنوب أفريقيا، تشير التكهنات إلى إمكانية تفاقم في الأزمة الاقتصادية وتصاعد نسبة البطالة، ومثلها في ذلك زيمبابوي. وهذا يعني بالضرورة تزايداً في أعداد النازحين في أوطانهم، وكذلك تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين عبر الصحراء والبحر، هرباً من الحروب، وفراراً من الفقر، إلى بلدان أوروبية ترفضهم.
في الغرب، الاتحاد الأوروبي سوف يفتقد حكمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وستبدأ بريطانيا العام بمسيرة في طريق مختلف عما تعوّدته طيلة نصف قرن من الزمن تقريباً، بعد انفكاكها رسمياً من قيود الاتحاد الأوروبي. وفي واشنطن، يُتوقع أن يشهد العالم دفئاً ملحوظاً في أجواء العلاقات الدولية، ممثلاً في احتمال خروج أميركا من عزلتها، التي فُرضت عليها خلال السنوات الأربع الماضية. وفي العاصمة الصينية، بكين، سوف نرى التنين الصيني، يواصل عَدْوَه بسرعة غير مسبوقة اقتصادياً ليحظى بالأولوية، وبتحقيق طموحه بقيادة الاقتصاد الدولي. هذا الأمر، كما يؤكد مختصون، ممكن التحقق لكن سوف يستغرق سنوات أخرى.